الوجوب وفي بيان من تجب عليه ومن لا تجب ويتضمن بيان شرائط الوجوب وفي بيان شرائط جوازها وفي بيان محل أدائها وفي بيان كيفية أدائها وفي بيان سببها وفي بيان مواضعها من القرآن أما الأول فقد قال أصحابنا انها واجبة وقال الشافعي انها مستحبة وليست بواجبة واحتج بحديث الاعرابي حين علمه رسول الله صلى الله عليه وسلم الشرائع فقال هل على غيرهن قال لا الا ان تطوع فلو كانت سجدة التلاوة واجبة لما احتمل ترك البيان بعد السؤال وعن عمر رضي الله عنه أنه تلا آية السجدة على المنبر وسجد ثم تلاها في الجمعة الثانية فتشوف الناس للسجود فقال أما انها لم تكتب علينا الا ان نشاء (ولنا) ما روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إذا تلا ابن آدم آية السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكى ويقول أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة وأمرت بالسجود فلم أسجد فلي النار والأصل أن الحكيم متى حكى عن غير الحكيم أمرا ولم يعقبه بالنكير يدل ذلك على أنه صواب فكان في الحديث دليل على كون ابن آدم مأمورا بالسجود ومطلق الامر للوجوب ولان الله تعالى ذم أقواما بترك السجود فقال وإذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون وإنما يستحق الذم بترك الواجب ولان مواضع السجود في القرآن منقسمة منها ما هو أمر بالسجود والزام للوجوب كما في آخر سورة القلم ومنها ما هو اخبار عن استكبار الكفرة عن السجود فيجب علينا مخالفتهم بتحصيله ومنها ما هو اخبار عن خشوع المطيعين فيجب علينا متابعتهم لقوله تعالى فبهداهم اقتده وعن عثمان وعلى وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر رضي الله عنهم أنهم قالوا السجدة على من تلاها وعلى من سمعها وعلى من جلس لها على اختلاف ألفاظهم وعلى كلمة ايجاب وأما حديث الاعرابي ففيه بيان الواجب ابتداء لا ما يجب بسبب يوجد من العبد الا ترى أنه لم يذكر المنذور وهو واجب وأما قول عمر رضي الله عنه فنقول بموجبه انها لم تكتب علينا بل أوجبت وفرق بين الفرض والواجب على ما عرف في موضعه * (فصل) * وأما بيان كيفية وجوبها فاما خارج الصلاة فإنها تجب على سبيل التراخي دون الفور عند عامة أهل الأصول لان دلائل الوجوب مطلقة عن تعيين الوقت فتجب في جزء من الوقت غير عين ويتعين ذلك بتعيينه فعلا وإنما يتضيق عليه الوجوب في آخر عمره كما في سائر الواجبات الموسعة (وأما) في الصلاة فإنها تجب على سبيل التضييق لقيام دليل التضييق وهو انها وجبت بما هو من أفعال الصلاة وهو القراءة فالتحقت بافعال الصلاة وصارت جزأ من أجزائها ولهذا يجب أداؤها في الصلاة ولا يوجب حصولها في الصلاة نقصانا فيها وتحصيل ما ليس من الصلاة في الصلاة ان لم يوجب فسادها يوجب نقصانا وإذا التحقت بافعال الصلاة وجب أداؤها مضيقا كسائر افعال الصلاة بخلاف خارج الصلاة لان هناك لا دليل على التضييق ولهذا قلنا إذا تلا آية السجدة فلم يسجد ولم يركع حتى طالت القراءة ثم ركع ونوى السجود لم يجزه وكذا إذا نواها في السجدة الصلبية لأنها صارت دينا والدين يقضى بماله لا بما عليه والركوع والسجود عليه فلا يتأدى به الدين على ما نذكر ولهذا قلنا إنه لا يجوز التيمم للتلاوة في المصر لأن عدم الماء في المصر لا يتحقق عادة والجواز بالتيمم مع وجود الماء لن يكون الا لخوف الفوت أصلا كما في صلاة الجنازة والعيد ولا خوف ههنا لانعدام وقت معين لها خارج الصلاة فلم يتحقق التيمم طهارة والطهارة شرط لأدائها بالاجماع * (فصل) * وأما سبب وجوب السجدة فسبب وجوبها أحد شيئين التلاوة أو السماع كل واحد منهما على حاله موجب فيجب على التالي الأصم والسامع الذي لم يتل أما التلاوة فلا يشكل وكذا السماع لما بينا أن الله تعالى الحق اللائمة بالكفار لتركهم السجود إذا قرئ عليهم القرآن بقوله تعالى فما لهم لا يؤمنون وإذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون وقال تعالى إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها خروا سجدا الآية من غير فصل في الآيتين بين التالي والسامع وروينا عن كبار الصحابة رضي الله عنهم السجدة على من سمعها ولان حجة الله تعالى تلزمه بالسماع كما تلزمه بالتلاوة فيجب أن يخضع لحجة الله تعالى بالسماع كما يخضع بالقراءة ويستوى الجواب في حق التالي
(١٨٠)