هدمه، فأشرع رجل آخر جناحا في محاذاته لا تمكن معه إعادة الأول، جاز، كما لو قعد في طريق واسع ثم انتقل عنه، ويجوز لغيره الارتفاق به، هكذا قاله الأصحاب.
ولك أن تقول: المرتفق بالقعود للمعاملة لا يبطل حقه بمجرد الزوال عن ذلك الموضع، وإنما يبطل بالسفر والاعراض عن الحرفة. فقياسه أن لا يبطل هنا بمجرد الهدم والانهدام، بل يعتبر إعراضه عن إعادته.
قلت: إن ما قاسه كثيرون على ما إذا وقف في الطريق، ثم فارق موقفه، أو قعد للاستراحة ونحوها فلا يرد اعتراض الامام الرافعي رحمه الله. قال أصحابنا:
ولو أخرج جناحا تحت جناح من يحاذيه، لم يكن للأول منعه، إذ لا ضرر. ولو أخرج فوق جناح الأول، قال ابن الصباغ: إن كان الثاني عاليا لا يضر بالمار فوق الجناح الأول، لم يمنع، وإلا، فله منعه. ولو أخرج مقابلا له، لم يمنع، إلا أن يعطل انتفاع الأول. ولو كان الأول قد أخذ أكثر هواء الطريق، لم يكن لجاره مطالبته بتقصير جناحه ورده إلى نصف الطريق، لأنه مباح سبق إليه. والله أعلم.
واعلم أن الأكثرين، لم يتعرضوا في الاضرار الممنوع إلا للارتفاع، والانخفاض. وأما إظلام الموضع، فقال ابن الصباغ وطائفة: لا يؤثر، ومقتضى المعنى المذكور، ولفظ الشافعي رضي الله عنه، وأكثر الأصحاب، تأثيره. وقد صرح به منصور التميمي. وفي التتمة: إن انقطع الضوء كله، أثر، وإن نقص، فلا.
فرع الشوارع التي في البلاد، والجواد الممتدة في الصحاري سواء في أنها منفكة عن الملك والاختصاص. والأصل فيها، الإباحة وجواز الانتفاع، إلا فيما يقدح في مقصودها هو الاستطراق. قال الامام: ومصير الموضع شارعا، له صورتان، إحداهما: أن يجعل الرجل ملكه شارعا وسبيلا مسبلا. والثانية: أن تجئ جماعة بلدة أو قرية، ويتركوا مسلكا نافذا بين الدور والمساكن، ويفتحوا إليه الأبواب. ثم حكي عن شيخه، ما يقتضي صورة ثالثة، وهو أن يصير موضع من