الموفقين الغواصين المطلعين أصحاب الهمم العاليات، فوفق الله سبحانه وتعالى، وله الحمد - من متأخري أصحابنا من جمع هذه الطرق المختلفات، ونقح المذهب أحسن تنقيح، وجمع منتشره بعبارات وجيزات، وحوى جميع ما وقع له من الكتب المشهورات، وهو الامام الجليل المبرز المتضلع من علم المذهب أبو القاسم الرافعي (1) ذو التحقيقات (2)، فأتى في كتاب (شرح الوجيز) بما لا كبير مزيد عليه من الاستيعاب مع الايجاز والاتقان وإيضاح العبارات، فشكر الله الكريم له سعيه وأعظم له المثوبات، وجمع بيني وبينه مع أحبابنا في دار كرامته مع أولى الدرجات وقد عظم انتفاع أهل عصرنا بكتابه لما جمعة من جميل الصفات، ولكنه كبير الحجم لا يقدر على تحصيله أكثر الناس في معظم الأوقات.
فألهمني الله سبحانه - وله الحمد - أن أختصره في قليل من المجلدات، فشرعت فيه قاصدا تسهيل الطريق إلى الانتفاع به لأولي الرغبات، أسلك فيه - إن شاء الله - طريقة متوسطة بين المبالغة في الاختصار والايضاح فإنها من المطلوبات، وأحذف الأدلة في معظمه وأشير إلى الخفي منها إشارات، وأستوعب جميع فقه الكتاب حتى الوجوه الغربية المنكرات، وأقتصر على الاحكام دون المؤاخذات اللفظيات، وأضم إليه في أكثر المواطن تفريعات، وتتمات، وأذكر مواضع يسيرة على الامام الرافعي فيها استدراكات (3)، منبها على ذلك - قائلا في أوله: قلت: وفي آخره: والله أعلم - في جميع الحالات. وألتزم ترتيب الكتاب - إلا نادرا - لغرض من المقاصد الصالحات، وأرجو - إن تم هذا الكتاب - أن من حصله أحاط بالمذهب