للعدو المنع ومخالفون له في أنهم غير مخوفين خوفه فإن قال: كيف جمعت بينهم وهم مفترقون في معنى وإن اجتمعوا في معنى غيره؟ قلت اجتمعوا في معنى وارد هؤلاء أن لهم المنع وحفظت عن غير واحد أن المرأة إذا أهلت بالحج غير حجة الفريضة كان لزوجها منعها وحفظت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " لا يحل لا مرأة أن تصوم يوما وزوجها شاهد إلا بإذنه " فكان هذا على التطوع دون الفريضة وكانت إذا لم يحل لها الصوم إلا بإذنه فكان له أن يفطرها وإن صامت لأنه لم يكن لها الصوم وكان هكذا الحج وكان سيد العبد أقدر عليه من زوج المرأة على المرأة، وكان حق أحد والدي الرجل أعظم عليه من حق الزوج على المرأة وطاعتهما أوجب، فبهذا قلت ما وصفت.
(باب الاحصار بالمرض) (قال الشافعي) قال الله تبارك وتعالى: " وأتموا الحج والعمرة لله فإن أحصرتم فما استيسر من الهدى " (قال الشافعي) فلم أسمع مخالفا ممن حفظت عنه ممن لقيت من أهل العلم بالتفسير في أنها نزلت بالحديبية وذلك إحصار عدو فكان في الحصر إذن الله تعالى لصاحبه فيه بما استيسر من الهدى، ثم بين رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الذي يحل منه المحرم الاحصار بالعدو فرأيت أن الآية بأمر الله تعالى بإتمام الحج والعمرة لله عامة على كل حاج ومعتمر إلا من استثنى الله ثم سن فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحصر بالعدو وكان المريض عندي ممن عليه عموم الآية وقول ابن عباس وابن عمر وعائشة يوافق معنى ما قلت وإن لم يلفظوا به إلا كما حدث عنهم، أخبرنا سفيان بن عيينة عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس أنه قال: لا حصر إلا حصر العدو (قال الشافعي) قول ابن عباس لا حصر إلا حصر العدو، لا حصر يحل منه المحصر إلا حصر العدو كأنه يريد مثل المعنى الذي وصفت والله أعلم، أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه أنه قال: من حبس دون البيت بمرض فإنه لا يحل حتى يطوف بالبيت وبين الصفا والمروة، أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه أنه قال المحصر لا يحل حتى يطوف بالبيت وبين الصفا والمروة، فإن اضطر إلى شئ من لبس الثياب التي لا بد له منها صنع ذلك وافتدى (قال الشافعي) يعنى المحصر بالمرض والله أعلم (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار أن عبد الله بن عمر ومروان بن الحكم وابن الزبير أفتوا ابن حزابة المخزومي وأنه صرع ببعض طريق مكة وهو محرم أن يتداوى بما لا بد له منه ويفتدى فإذا صح اعتمر فحل من إحرامه وكان عليه أن يحج عاما قابلا ويهدى، أخبرنا مالك عن أيوب السختياني عن رجل من أهل البصرة كان قديما أنه قال: خرجت إلى مكة حتى إذا كنت بالطريق كسرت فخذي فأرسلت إلى مكة وبها عبد الله ابن عباس وعبد الله بن عمر رضي الله عنهم والناس فلم يرخص لي أحد في أن أحل فأقمت على ذلك الماء سبعة أشهر ثم حللت بعمرة، أخبرنا إسماعيل بن علية عن رجل كان قديما وأحسبه قد سماه وذكر نسبه وسمى الماء الذي أقام به الدثنة وحدث شبيها بمعنى حديث مالك، أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد أنه بلغه عن عائشة أنها كانت تقول:
المحرم لا يحله إلا البيت (قال الشافعي) وسواء في هذا كله أي مرض ما كان، وسواء ذهب عقله أو لم يذهب وإن اضطر إلى دواء يداوى به دووى وإن ذهب عقله فدى عنه فدية ذلك الدواء، فإن قال قائل كيف أمرت الذاهب العقل أن يفتدى عنه والقلم مرفوع عنه في حاله تلك؟ قيل له إن شاء الله إنما