صقرا أو ثيران (1) فباضت وأفرخت. لم يحل أكل فراخها من ذلك التجثم. لاختلاط المحرم والحلال فيه. الا ترى أن خمرا لو اختلطت بلبن. أو ودك خنزير بسمن. أو محرما بحلال فصارا لا يزيل أحدهما من الآخر حرم أن يكون مأكولا. ولو أن صيدا أصيب أو بيض صيد. فأشكلت خلقته. فلم يدر لعل أحد أبويه مما لا يحل أكله والآخر يحل أكله، كان الاحتياط. الكف عن أكله. والقياس أن ينظر إلى خلقته فأيهما كان أولى بخلقته جعل حكمه حكمه. إن كان الذي يحل أكله أولى بخلقته أكله. وإن كان الذي يحرم أكله أولى بخلقته لم يأكله. وذلك مثل أن ينزو حمار انسى أتانا وحشية (2) أو أتانا أنسية. ولو نزا حمار وحشى فرسا أو فرس أتانا وحشيا لم يكن بأكله بأس. لان كليهما مما يحل أكله. وإذا توحش واصطيد، أكل بما يؤكل به الصيد. وهكذا القول في صغار أولاده وفراخه وبيضه، لا يختلف. وما قتل المحرم من صيد يؤكل لحمه، فداه وكذلك يفدى ما أصاب من بيضه. وما قتل من صيد لا يؤكل لحمه. أو أصاب من بيضه لم يفده. ولو أن ذئبا نزا على ضبع فجاءت بولد فإنها تأتى بولد لا يشبهها محضا ولا الذئب محضا يقال له السبع، لا يحل أكله لما وصفت من اختلاط المحرم والحلال، وأنهما لا يتميزان فيه.
(ما يحل بالضرورة) (قال الشافعي) قال الله عز وجل فيما حرم ولم يحل بالذكاة " وما لكم أن لا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه " وقال " إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير " إلى قوله " غفور رحيم " وقال في ذكر ما حرم " فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لاثم فإن الله غفور رحيم " (قال الشافعي) فيحل ما حرم من ميتة ودم ولحم خنزير وكل ما حرم مما لا يغير العقل من الخمر للمضطر. والمضطر، الرجل يكون بالموضع. لا طعام فيه معه ولا شئ يسد فورة جوعه، من لبن وما أشبهه، ويبلغه الجوع ما يخاف منه الموت أو المرض، وإن لم يخف الموت أو يضعفه ويضره أو يعتل أو يكون ماشيا فيضعف عن بلوغ حيث يريد، أو راكبا فيضعف عن ركوب دابته، أو ما في هذا المعنى من الضرر البين، فأي هذا ناله فله أن يأكل من المحرم. وكذلك يشرب من المحرم غير المسكر، مثل الماء تقع فيه الميتة وما أشبهه. وأحب إلى أن يكون اكله إن أكل وشاربه إن شرب أو جمعهما فعلى ما يقطع عنه الخوف ويبلغ به بعض القوة ولا يبين أن يحرم عليه أن يشبع ويروى، وإن أجزأه دونه، لان التحريم قد زال عنه بالضرورة. وإذا بلغ الشبع والري فليس له مجاوزته، لان مجاوزته حينئذ إلى الضرر أقرب منها إلى النفع. ومن بلغ إلى الشبع فقد خرج في بلوغه من حد الضرورة وكذلك الري. ولا بأس أن يتزود معه من الميتة ما اضطر إليه، فإذا وجد الغنى عنه طرحه.
ولو تزود معه ميتة فلقى مضطرا أراد شراءها منه، لم يحل له ثمنها، إنما حل له منها منع الضرر البين على بدنه لا ثمنها، ولو اضطر، ووجد طعاما، لم يؤذن له به، لم يكن له أكل الطعام، وكان له أكل