فليلتمس وفاء النذر، فقلت فأنت تخالفهما جميعا فتزعم أن هذا النذر وعليه حجة الاسلام فكيف تحتج بما تخالف؟ قال وأنت تخالف أحدهما، فقلت إن خالفته خالفته بمعنى السنة وأوافق الآخر، أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد بن سالم عن الثوري عن زيد ابن جبير، قال:
إني لعند عبد الله بن عمر إذ سئل عن هذه فقال: هذه حجة الاسلام فليلتمس أن يقضى نذره (قال الشافعي) ولم نر عملين وجبا عليه، فلم يكن له ترك واحد منهما على الابتداء يجزى عنه أن يأتي بأحدهما فنقول هذا في الحج ينذره الرجل وعليه حجة الاسلام، فإن كان قضى حجة الاسلام وبقى عليه حجة نذره فحج متطوعا فهي حجة النذر ولا يتطوع بحج وعليه حج واجب، وإذا أجزأ التطوع من الحجة المكتوبة لأنا نجعل ما تطوع به هو الواجب عليه من الفرض، فكذلك إذا تطوع وعليه واجب من نذر لا فرق بين ذلك.
(باب هل تجب العمرة وجوب الحج؟) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: قال الله تبارك وتعالى: " وأتموا الحج والعمرة لله " فاختلف الناس في العمرة فقال بعض المشرقيين: العمرة تطوع وقاله سعيد بن سالم واحتج بأن سفيان الثوري أخبره عن معاوية ابن إسحاق عن أبي صالح الحنفي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " الحج جهاد والعمرة تطوع " فقلت له أثبت مثل هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال هو منقطع وهو وإن لم تثبت به الحجة فإن حجتنا في أنها تطوع أن الله عز وجل يقول " ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا " ولم يذكر في الموضع الذي بين فيه إيجاب الحج إيجاب العمرة وأنا لم نعلم أحدا من المسلمين أمر بقضاء العمرة عن ميت فقلت له قد يحتمل قول الله عز وجل " وأتموا الحج والعمرة لله " أن يكون فرضها معا وفرضه إذا كان في موضع واحد يثبت ثبوته في مواضع كثيرة كقوله تعالى " أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة " ثم قال " إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا " فذكرها مرة مع الصلاة وأفرد الصلاة مرة أخرى دونها فلم يمنع ذلك الزكاة أن تثبت وليس لك حجة في قولك لا نعلم أحدا أمر بقضاء العمرة عن ميت إلا عليك مثلها لمن أوجب العمرة بأن يقول ولا نعلم من السلف أحدا ثبت عنه أنه قال لا تقضى عمرة عن ميت ولا هي تطوع كما قلت، فإن كان لا نعلم لك حجة كان قول من أوجب العمرة لا نعلم أحدا من السلف ثبت عنه أنه قال هي تطوع وأن لا تقضى عن ميت حجة عليك (قال) ومن ذهب هذا المذهب أشبه أن يتأول الآية " وأتموا الحج والعمرة لله " إذا دخلتم فيهما، وقال بعض أصحابنا: العمرة سنة لا نعلم أحدا أرخص في تركها (قال) وهذا قول يحتمل إيجابها إن كان يريد أن الآية تحتمل إيجابها وأن ابن عباس ذهب إلى إيجابها ولم يخالفه غيره من الأئمة ويحتمل تأكيدها لا إيجابها (قال الشافعي) والذي هو أشبه بظاهر القرآن وأولى بأهل العلم عندي وأسأل الله التوفيق أن تكون العمرة واجبة، فإن الله عز وجل قرنها مع الحج فقال " وأتموا الحج والعمرة لله فإن أحصرتم فما استيسر من الهدى " وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمر قبل ان يحج وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم سن إحرامها والخروج منها بطواف وحلاق وميقات، وفى الحج زيادة عمل على العمرة، فظاهر القرآن أولى إذا لم يكن دلالة على أنه باطن دون ظاهر، ومع ذلك قول ابن عباس وغيره، أخبرنا ابن عيينة