أولى أن يكون مباحا. فإن لم يثبت هكذا من ثمر الحائط، لان ذلك اللبن يستخلف في كل يوم، والذي يعرف الناس أنهم يبذلون منه ويوجبون من بذله ما لا يبذلون من الثمر، ولو ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، قلنا به، ولم نخالفه.
(جماع ما يحل من الطعام والشراب ويحرم) (قال الشافعي) رحمه الله: أصل المأكول والمشروب إذا لم يكن لمالك من الآدميين: أو أحله مالكه من الآدميين، حلال إلا ما حرم الله عز وجل في كتابه، أو على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم.
فإن ما حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم لزم في كتاب الله عز وجل، أن يحرم ويحرم ما لم يختلف المسلمون في تحريمه، وكان في معنى كتاب أو سنة أو إجماع، فإن قال قائل: فما الحجة في أن كل ما كان مباح الأصل يحرم بمالكه حتى أذن فيه مالكه؟ فالحجة فيه أن الله عز وجل قال " لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم " وقال تبارك وتعالى " وآتوا اليتامى أموالهم " الآية. وقال " وآتوا النساء صدقاتهن نحلة " إلى قوله " هنيئا مريئا " مع آي كثيرة في كتاب الله عز وجل، حظر فيها أموال الناس إلا بطيب أنفسهم، إلا بما فرض في كتاب الله عز وجل ثم سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وجاءت به حجة (قال) أخبرنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " لا يحلبن أحدكم ماشية أخيه بغير إذنه، أيحب أحدكم أن تؤتى مشربته فتكسر؟ " فأبان الله في كتابه أن ما كان ملكا لآدمي لم يحل بحال إلا بإذنه. وأبانه رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل الحلال حلالا بوجه، حراما بوجه آخر، وأبانته السنة، فإذا منع الله عز وجل مال المرأة إلا بطيب نفسها، واسم المال يقع على القليل والكثير، ففي ذلك معنى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في اللبن الذي تخف مؤنته على مالكه، ويستخلف في اليوم مرة أو مرتين، فحرم الأقل إلا بإذن مالكه كان الأكثر مثل الأقل أو أعظم تحريما بقدر عظمه، على ما هو أصغر منه من مال المسلم.
ومثل هذا ما فرض الله عز وجل من المواريث بعد موت مالك المال، فلما لم يكن لقريب أن يرث المال الذي قد صار مالكه غير مالك إلا بما ملك، كان لان يأخذ مال حي بغير طيب نفسه، أو ميت بغير ما جعل الله له، أبعد (قال الشافعي) فالأموال محرمة بمالكها، ممنوعة إلا بما فرض الله عز وجل في كتابه، وبينه على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم، وبسنة رسوله، فلزم خلقه بفرضه، طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، فإنه يجمع معنيين مما لله عز وجل، طاعة بما أوجب في أموال الأحرار المسلمين، طابت أنفسهم بذلك أو لم تطب، من الزكاة وما لزمهم بإحداثهم وإحداث غيرهم ممن سن رسول الله صلى الله عليه وسلم على من سن منهم أخذه من أموالهم، والمعنى الثاني يبين أن ما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلازم بفرض الله عز وجل فذلك مثل الدية على قاتل الخطأ، فيكون على عاقلته الدية وإن لم تطب بها أنفسهم، وغير ذلك مما هو موضوع في مواضعه من الزكاة والديات، ولولا الاستغناء بعلم العامة بما وصفنا في هذا لأوضحنا من تفسيره أكثر مما كتبنا إن شاء الله تعالى، فمن مر لرجل بزرع أو تمر أو ماشية أو غير ذلك من ماله، لم يكن له أخذ شئ منه إلا بإذنه، لان هذا مما لم يأت فيه كتاب ولا سنة ثابتة بإباحته، فهو ممنوع بمالكه إلا بإذنه، والله أعلم، وقد قيل