من أن الله عز وجل أقصه منهم فدخل عليهم في مثل الشهر الذي ردوه فيه وليست فيه دلالة على أن دخوله كان واجبا عليه من جهة قضاء النسك والله أعلم وإنما يدرك الواجب فيه وغير الواجب خبرا والخبر يدل على مثل ما وصفنا من أنه ليس بواجب (قال الشافعي) ومن أحصر في موضع كان له أن يرجع عن موضعه الذي أحصر فيه ويحل فإذا أمن بعد انصرافه كان له أن يتم على الانصراف قريبا كان أو بعيدا إلا أنى إذا أمرته بالخروج من إحرامه عاد كمن لم يحرم قط، غير أنى أحب له إذا كان قريبا أو بعيدا أن يرجع حتى يصل إلى ما صد عنه من البيت واختياري له في ذلك بالقرب بأنه وإن كان الرجوع له مباحا فترك الرجوع كان فيه وحشة أكثر بهذا المعنى وإن كان الراجع من بعد أعظم أجرا، ولو أبحت له أن يذبح ويحلق ويحل وينصرف فذبح ولم يحلق حتى يزول العدو لم يكن له الحلاق وكان عليه الاتمام لأنه لم يحل حتى صار غير محصور وهو مأجور في الذبح إن شاء الله تعالى، وهذا قول من يقول لا يكمل إحلال المحرم إلا بالحلاق، ومن قال يكمل إحلاله قبل الحلاق والحلاق أول الاحلال قال إذا ذبح فقد حل وليس عليه إذا ذبح أن يمضى على وجهه ولو أحصر ومعه هدى قد ساقه متطوعا به أو واجبا عليه قبل الاحصار فله ذبحه في مكانه كما ذبح رسول الله صلى الله عليه وسلم هديه بالحديبية وقد أوجبه قبل أن يحصر، وإذا كان عليه أن يحل بالبيت فمنعه فحل دونه بالعذر كان كذلك الهدى أولى أن يكون له نحره حيث حبس وعليه الهدى لاحصاره سوى ما وجب قبل أن يحصر من هدى وجب عليه بكل حال (قال الشافعي) ولو وجب عليه هدى في فوره ذلك فلم يكن معه كان له أن يشتريه ويذبحه مكانه ولو كان وجب عليه قبل ذلك كان ذلك له ولو أخر هديه ليبعث به إذا ذهب الحصر كان أحب إلي، لأنه شئ لم يجب عليه في فوره. وتأخيره بعد فوره كتأخيره بعدما وجب عليه (قال) ولو أحصر ولا هدى معه اشترى مكانه هديا وذبحه وحل، ولو وهب له أو ملكه بأي وجه ما كان فذبحه أجزأ عنه، فإن كان موسرا لان يشترى هديا ولم يجد هديا مكانه أو معسرا بهدى وقد أحصر ففيها قولان، أحدهما لا يحل إلا بهدى، والآخر أنه مأمور بأن يأتي بما يقدر عليه فإذا لم يقدر على شئ خرج مما عليه وكان عليه أن يأتي به إذا قدر عليه، ومن قال هذا قال يحل مكانه ويذبح إذا قدر، فإن قدر على أن يكون الذبح بمكة لم يجز أن يذبح إلا بها وإن لم يقدر ذبح حيث يقدر (قال) ويقال لا يجزئه إلا هدى، ويقال يجزئه إذا لم يجد هديا إطعام أو صيام، فإن لم يجد الطعام كان كمن لم يجد الهدى، وإن لم يقدر على الصيام كان كمن لم يجد هديا ولا طعاما وإذا قدر أدى أي هذا كان عليه، وإن أحصر عبد قد أذن له سيده في الحج والعبد لا مال له وعليه الصوم تقوم له الشاة دراهم، ثم الدراهم طعاما، ثم يصوم عن كل مد يوما والقول في إحلاله قبل الصوم واحد من قولين، أحدهما أن يحل قبل الصوم، والآخر لا يحل حتى يصوم والأول أشبههما بالقياس لأنه إذا أمر بالخروج من الاحرام والرجوع للخوف أشبه أن لا يؤمر بالمقام على الخوف للصوم والصوم يجزيه في كل موضع وإذا أحصر رجل أو امرأة أو عدد كثير بعدو مشركين كالعدو الذي أحصر بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية وأصحابه فكانت بهم قوة على قتالهم أو لم تكن كان لهم الانصراف لان لهم ترك القتال إلا في النفير أو أن يبدءوا بالقتال وإن كان النظر للمسلمين الرجوع عنهم اخترت ذلك لهم وإن كان النظر للمسلمين قتلاهم اخترت قتالهم ولبس السلاح والفدية، وإذا أحصروا بغير مشركين اخترت الانصراف عنهم بكل حال بعد الاحلال من الاحصار فإن قال قائل فكيف زعمت أن الاحصار بالمسلمين إحصار يحل به المحرم إذ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما أحصر بمشركين؟ قيل له إن شاء الله تعالى ذكر
(١٧٥)