(ما يحرم من جهة ما لا تأكل العرب) (قال الشافعي) رحمه الله: أصل التحريم، نص كتاب أو سنة، أو جملة كتاب أو سنة أو إجماع قال الله تبارك وتعالى " الذين يتبعون الرسول الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث " وقال عز وجل " يسألونك ماذا أحل لهم " الآية. وإنما تكون الطيبات والخبائث عند الآكلين كانوا لها، وهم العرب الذين سألوا عن هذا، ونزلت فيهم الاحكام، وكانا يكرهون من خبيث المآكل مالا يكرهها غيرهم (قال الشافعي) وسمعت بعض أهل العلم يقولون في قول الله عز وجل " قل لا أجد فيما أوحى إلي محرما على طاعم يطعمه " الآية: يعنى مما كنتم تأكلون. في الآي التي ذكرت في هذا الكتاب وما في معناه، ما يدل على ما وصفت. فإن قال قائل: ما يدل على ما وصفت؟ قيل: أرأيت لو زعمنا أن الأشياء مباحة إلا ما جاء فيه نص، خبر في كتاب أو سنة، أما زعمنا أن أكل الدود والذبان والمخاط والنخامة والخنافس واللكحاء والعظاء والجعلان وخشاش الأرض والرخم والعقبان والبغاث والغربان والحداء والفأر، وما في مثل حالها، حلال. فإن قال قائل: فما دل على تحريمها؟ قيل: قال الله عز وجل " أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما " فكان شيئان حلالين، فأثبت تحليل أحدهما؟ وهو صيد البحر وطعامه (1)؟ وطعامه مالحه، وكل ما فيه متاع لهم يستمتعون بأكله، وحرم عليهم صيد البر أن يستمتعوا بأكله في كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم. والله عز وجل لا يحرم عليهم من صيد البر في الاحرام إلا ما كان حلالا لهم قبل الاحرام، والله أعلم. فلما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم المحرم بقتل الغراب والحدأة والعقرب والفأرة والكلب العقور وقتل الحيات، دل ذلك على أن لحوم هذه محرمة، لأنه لو كان داخلا في جملة ما حرم الله قتله من الصيد في الاحرام، لم يحل رسول الله صلى الله عليه وسلم قتله، ودل على معنى آخر، أن العرب كانت لا تأكل مما أباح رسول الله صلى الله عليه وسلم قتله في الاحرام شيئا (قال) فكل ما سئلت عنه، مما ليس فيه نص تحريم ولا تحليل من ذوات الأرواح فانظر هل كانت العرب تأكله، فإن كانت تأكله ولم يكن فيه نص تحريم، فأحله، فإنه داخل في جملة الحلال والطيبات عندهم، لأنهم كانوا يحلون ما يستطيبون. وما لم تكن تأكله، تحريما له باستقذاره فحرمه لأنه داخل في معنى الخبائث، خارج من معنى ما أحل لهم، مما كانوا يأكلون، وداخل في معنى الخبائث التي حرموا على أنفسهم. فأثبت عليهم تحريمها (قال الشافعي) ولست أحفظ عن أحد سألته من أهل العلم عمن ذهب المكيين خلافا. وجملة هذا لان التحريم قد يكون مما حرمت العرب على أنفسها مما ليس داخلا في معنى الطيبات، وإن كنت لا أحفظ هذا التفسير، ولكن هذه الجملة. وفى تتابع من حفظت عنه من أهل العلم حجة، ولولا الاختصار لأوضحته بأكثر من هذا وسيمر في تفاريق الأبواب إيضاح له إن شاء الله تعالى.
(٢٧١)