وإني لا أعلم مخالفا في أن رجلا لو حج عن رجل يقدر على الحج لا يجزى عنه من حجة الاسلام، فإذا كان هذا عندهم هكذا دل على أنه إنما عذر في حال الضرورة بتأدية الفرض وما جاز في الضرورة دون غيرها، لم يجز، ما لم يكن ضرورة مثله (قال الشافعي) ولو أهل رجلا بحج ففاته فحل بطواف البيت وسعى بين الصفا والمروة لم يجز عنه من حجة الاسلام لأنه لم يدركها ولم تجز عنه من عمرة الاسلام ولا عمرة نذر عليه لأنها ليست بعمرة، وإنما كان حجا لم يجز له أن يقيم عليه لوجهين، أحدهما أنه حج سنة فلا يدخل في حج سنة غيرها، والآخر أنه ليس له أن يقيم محرما بحج في غير أشهر الحج، ولو أهل بالحج في غير أشهر الحج كان إهلاله عمرة يجزئ عنه من عمرة الاسلام لأنه لا وجه للاهلال إلا بحج أو عمرة، فلما أهل في وقت كانت العمرة فيه مباحة والحج محظورا كان مهلا بعمرة وليس هذا كالمهل بالحج والحج مباح له فيفوته، لان ابتداء ذلك الحج كان حجا، وابتداء هذا الحج كان عمرة، وإذا أجزأت العمرة بلا نية لها أنها عمرة أجزأت إذا أهل بحج وكان إهلاله عمرة (قال الشافعي) والعمرة لا تفوت من قبل أنها تصلح في كل شهر والحج يفوت من قبل أنه لا يصلح إلا في وقت واحد من السنة، فلو أن رجلا أهل بالعمرة في عام فحبسه مرض أو خطأ عدد أو غير ذلك ما خلا العدو أقام حراما حتى يحل متى حل، ولم تفته العمرة متى وصل إلى البيت فعمل عملها (قال) ولو حج رجل عن رجل بلا إجارة ثم أراد الإجارة لم يكن له وكان متطوعا عنه وأجزأت عنه حجته (قال) ولو استأجر رجل رجلا يعتمر عنه في شهر فاعتمر في غيره أو على أن يحج عنه في سنة فحج في غيرها كانت له الإجارة وكان مسيئا بما فعل (قال) ولا بأس بالإجارة على الحج وعلى العمرة وعلى الخير كله، وهي على عمل الخير أجوز منها على ما ليس بخير ولا بر من المباح، فإن قال قائل:
ما الحجة في جواز الإجارة على تعليم القرآن والخير؟ قيل أخبرنا مالك عن أبي حازم بن دينار عن سهل بن سعد الساعدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم زوج رجلا امرأة بسورة من القرآن (قال) والنكاح لا يجوز إلا بماله قيمة من الإجارات والأثمان.
(باب الوصية بالحج) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا أوصى رجل لم يحج أن يحج عنه وارث ولم يسم شيئا أحج عنه الوارث بأقل ما يوجد به أحد يحج عنه، فإن لم يقبل ذلك فلا يزاد عليه، ويحج عنه غيره بأقل ما يوجد من يحج عنه به ممن هو أمين على الحج (قال الشافعي) ولا يرد عن الوارث وصية بهذا إنما هذه إجازة، ولكن لو قال أحجوه بكذا أبطل كل ما زاد على أقل ما يوجد به من يحج عنه، فإن قبل ذلك لم أحج عنه غيره (قال) ولو أوصى لغير وارث بمائه دينار يحج بها عنه فإن حج فذلك له وما زاد على أجر مثله وصية، فإن امتنع لم يحج عنه أحدا لا بأقل ما يوجد به من يحج عنه، ولو قال أحجوا عنى من رأى فلان بمائة دينار فرأى فلان أن يحج عنه وارث له لم يحج عنه الوارث إلا بأقل ما يوجد به من يحج عنه فإن أبى قيل لفلان (1) رأى غير وارث فإن فعل أجزنا ذلك وإن لم يفعل أحججت عنه رجلا