بالمعني الذي ذكرناه. نعم لا يخفي شدة امر الخمر، فلا يبادر إلي تناولها والمعالجة بها إلا إذا رأي من نفسه الهلاك لو ترك التداوي بها، ولو بسبب توافق جماعة من الحذاق وأولي الديانة والدراية من الأطباء، والا فليصطبر علي المشقة فلعل الباري تعالي شانه يعافيه لما رأي منه التحفظ علي دينه.
فعن الثقة الجليل عبد الله بن أبي يعفور انه قال: كان إذا اصابته هذه الأوجاع فإذا اشتدت شرب الحسو من النبيذ فسكن عنه، فدخل علي أبي عبد الله (عليه السلام) فأخبره بوجعه وانه إذا شرب الحسو من النبيذ سكن عنه، فقال له: لا تشربه، فلما أن رجع إلي الكوفة هاج به وجعه فاقبل أهله فلم يزالوا به حتى شرب، فساعة شرب منه سكن عنه، فعاد إلي أبي عبد الله (عليه السلام) فأخبره بوجعه وشربه، فقال له: يا بن أبي يعفور لا تشرب فإنه حرام انما هو الشيطان موكل بك ولو قد يئس منك ذهب. فلما ان رجع إلي الكوفة هاج به وجعه أشد مما كان، فاقبل أهله عليه، فقال لهم: لا والله ما أذوق منه قطرة ابدا، فأيسوا منه أهله، فكان يهتم علي شي ء ولا يحلف وكان إذا حلف علي شي ء لا يخلف، فلما سمعوا أيسوا منه واشتد به الوجع أياما، ثم اذهب الله به عنه فما عاد اليه حتى مات رحمة الله عليه.
مسألة 36 - لو اضطر إلي اكل طعام الغير لسد رمقه وكان المالك حاضرا، فان كان هو أيضا مضطرا لم يجب عليه بل لا يجوز له بذله ولا يجوز للمضطر قهره، وان لن يكن مضطرا يجب عليه بذله للمضطر، وان امتنع عن البذل جاز له قهره بل مقاتلته والاخذ منه قهرا. ولا يتعين علي المالك بذله مجانا، فله ان لا يبذله إلا بالعوض وليس للمضطر قهره بدونه، فان اختار البذل بالعوض فان لم يقدره بمقدار كان له عليه ثمن مثل ما اكله أو مثله ان كان مثليا، وان قدره لم يتعين عليه تقديره بثمن المثل أو أقل بل له ان يقدره بأزيد منه، وحينئذ إذا كان المضطر قادرا على دفعه يجب عليه الدفع إذا طالبه به، وان كان عاجزا يكون في ذمته يتبع