فعن الثقة الجليل عبد الله بن أبي يعفور أنه قال: كان إذا أصابته هذه الأوجاع فإذا اشتدت به شرب الحسو من النبيذ فتسكن عنه، فدخل على أبي عبد الله عليه السلام فأخبره بوجعه وأنه إذا شرب الحسو من النبيذ سكن عنه ، فقال له: لا تشربه، فلما أن رجع إلى الكوفة هاج به وجعه فأقبل أهله فلم يزالوا به حتى شرب، فساعة شرب منه سكن عنه، فعاد إلى أبي عبد الله عليه السلام فأخبره بوجعه وشربه، فقال له: يا ابن أبي يعفور لا تشرب فإنه حرام إنما هو الشيطان موكل بك ولو قد يئس منك ذهب. فلما أن رجع إلى الكوفة هاج به وجعه أشد مما كان، فأقبل أهله عليه، فقال لهم: لا والله ما أذوق منه قطرة أبدا، فأيسوا منه أهله، فكان يتهم على شئ ولا يحلف، وكان إذا حلف على شئ لا يخلف، فلما سمعوا أيسوا منه واشتد به الوجع أياما، ثم أذهب الله به عنه، فما عاد إليه حتى مات رحمة الله عليه.
(مسألة 844) إذا اضطر إلى أكل طعام الغير لسد رمقه وكان المالك أيضا مضطرا لم يجب عليه بل لا يجوز له بذله، ولا يجوز للمضطر قهره، وإن لم يكن المالك مضطرا يجب عليه بذله للمضطر، وإن امتنع عن البذل جاز له قهره بل مقاتلته وأخذه منه قهرا. ولا يتعين على المالك بذله مجانا، فله أن لا يبذله إلا بالعوض وليس للمضطر قهره بدونه، فإن اختار البذل بالعوض فإن لم يقدره بمقدار كان له عليه ثمن مثل ما أكله أو مثله إن كان مثليا، وإن أراد تقديره لم يتعين عليه تقديره بثمن المثل أو أقل بل له أن يقدره بأكثر منه، فإذا كان المضطر قادرا على دفعه يجب عليه الدفع إذا طالبه به، وإن كان عاجزا يكون في ذمته إلى أن يتمكن.
هذا إذا كان المالك حاضرا، أما إذا كان غائبا فله الأكل منه بمقدار سد رمقه وتقدير الثمن وجعله في ذمته ولا يكون أقل من ثمن المثل، والأحوط الرجوع إلى الحاكم إن وجد، ومع عدمه فإلى عدول المؤمنين.