الإمساك المتقدم، وإن تلف بعد زوال العذر وإمكان الرد لزمه الضمان، لأنه أخر الرد بعد وجوبه مع الإمكان.
فأما إذا لم يكن له عذر، مثل أن يكون المال معه حاضرا وهو فارع غير متلبس بشغل فأخره إلى وقت آخر مثل أن يقول: أرده عليك غدا، صار ضامنا بذلك لأنه متعد بترك الرد مع الإمكان، فإن ادعى بعد ذلك التلف وذكر أنه كان قد تلف قبل المطالبة أو ادعى الرد قبل المطالبة لم يقبل قوله في ذلك، لأنه صار خائنا بتأخيره الرد مع الإمكان وبطلت أمانته فلم يقبل قوله.
فأما إذا قال: كان هذا المال تلف قبل المطالبة، أو رددته قبل المطالبة وأنا أقيم البينة على ذلك، فهل تقبل بينته أم لا؟ قيل فيه وجهان:
أحدهما - وهو الصحيح -: أنها تسمع منه، لأنه يقيمها على تلف أو رد لو صدقه لم يلزمه الضمان، فكذلك إذا قامت عليه البينة.
والثاني: أنها لا تسمع بينته، لأنه كذبها بقوله " أرده عليك وقتا آخر " لأن ذلك يقتضي سلامته وبقاءه في يده، وفي الناس من قال: هذا القول أرجح وأصح لأنه بقوله الثاني مكذب لقوله الأول ومكذب لبينته بقوله الأول فلم تسمع منه.
وأما إذا صدقه على تلفه فقد أقر ببراءته فلا يجوز له مطالبته، وليس كذلك إذا قامت البينة لأنه لم يبرئه صاحب المال بل هو مكذب لها فكأنه لم يقم البينة ولم يبرئه صاحب المال فلزمه الضمان.
إذا كان لرجل قبل رجل مال فطالبه بتسليمه إليه فقال: لا أسلمه إليك حتى تشهد على نفسك بالتسليم، فهل له ذلك أم لا؟ اختلف أصحاب الشافعي في ذلك، فأكثرهم فصلوا الحال فيه فقالوا:
إن كان هذا المطالب بالتسليم يقبل قوله في التلف والرد - مثل المودع والوكيل بلا جعل - لم يكن له ذلك وكان عليه أن يرد بلا إشهاد، ومتى ما أخر الرد لزمه الضمان لأنه لا حاجة به إلى الشهادة، لأن أكثر ما يتوقعه منه أن يدعي