فإن كانا بمصر ولهما بمكة دار شركة بينهما فباع أحدهما نصيبه من أجنبي فسكت شريكه عن المطالبة فلما قدما مكة طالبة بالشفعة وذكر أنه ترك المطالبة بها لتكون المطالبة بالبلد الذي فيه الدار بطلت شفعته، لأنه ترك المطالبة بها مع القدرة عليها.
قد بينا أن الشفيع يأخذ الشفعة بالثمن الذي استقر العقد عليه، فإن اتفقا على قدره فلا كلام، وإن اختلفا لم يخل من ثلاثة أحوال: إما أن يكون مع واحد منهما بينة، أو مع كل واحد منهما بينة، أو لا بينة مع واحد منهما.
فإن كان مع أحدهما بينة أقامها، وكانت الشفعة بما ثبت من قدره، وسواء كان الشفيع أو المشتري، لأن البينة أقوى من الدعوى، والبينة شاهدان أو شاهد وامرأتان أو شاهد ويمين، فإن لم يكن هناك شاهد غير البائع لم تقبل شهادته لواحد منهما، لأنه إن شهد للمشتري لم تقبل لأنها شهادة على فعل نفسه، وتلك لا تقبل، وإن شهد للشفيع لم تقبل لمثل ذلك، ولأنه يجر إلى نفسه نفعا فإن الدرك عليه، فهو يميل إلى تقليل الثمن خوف الدرك فيما باع.
فإن كان مع كل واحد منهما بينة فالبينة بينة المشتري الداخل وقال قوم:
إن البينة بينة الشفيع، لأنه الخارج ولأنه المدعي للثمن، والمشتري منكر له، فإذا ثبت أن البينة بينة المشتري، فالحكم فيه كما لو كانت البينة له وقد مضى.
وإن لم يكن مع واحد منهما بينة فالقول قول المشتري، لقوله عليه السلام:
البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه، والمدعى عليه هو المشتري، لأن الشفيع يدعي أن الشراء بألف والمشتري منكر، ولأن الملك للمشتري والشفيع ينزعه منه ببدل، فكان القول قوله فيما يزال به الملك.
فإن تبايعا شقصا واختلفا في قدر ثمنه نظرت: فإن كان مع أحدهما بينة أقامها وثبت قوله وحكم له بها، وكان للشفيع الشفعة بما ثبت من الثمن، وإن كان لكل واحد منهما بينة فالبينتان متعارضتان، فالحكم فيهما القرعة عندنا، فمن خرج اسمه حكم له به، وأخذ الشفيع بذلك الثمن الذي يحكم به بالقرعة.