ولا فرق بين أن تكون الفئة قريبة أو بعيدة، قليلة أو كثيرة لعموم الآية، فإن انصرف على غير هذين الوجهين كان فارا وفسق بذلك وارتكب كبيرة وباء بغضب من الله، فإذا غلب على ظنه أنه إذا تبت قتل وهلك فالأولى أن نقول: ليس له ذلك لقوله تعالى: إذا لقيتم فئة فأثبتوا، وقيل: إنه يجوز له الانصراف لقوله تعالى: ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة، وأما إذا كان المشركون أكثر من ضعف المسلمين فلا يلزم الثبات، وهل يستحب ذلك أم لا؟ فإن غلب على ظنه أنه لا يغلب فالمستحب أن يثبت ولا ينصرف لئلا يكسر المسلمين، وإن غلب على ظنه أنه يغلب ويهلك فالأولى أن له الانصراف، وقيل: إنه يجب عليه الانصراف.
وكذلك القول في من قصده رجل فغلب على ظنه أنه إن ثبت له قتله فعليه الهرب.
وإذا نزل الإمام على بلد فله محاصرته ومنع أن يدخل إليه أحد أو يخرج منه لقوله تعالى: واحصروهم، وحصر رسول الله صلى الله عليه وآله أهل الطائف، وله أن ينصب عليهم منجنيقا أو عرادة ويهدم عليهم السور والمنازل، ويقتل قتالا عاما كما فعل النبي صلى الله عليه وآله بأهل الطائف.
فإذا ثبت ذلك، فإن لم يكن في القوم مسلمون رماهم بكل حال وإن كان فيهم نساء وصبيان، كما فعل النبي بأهل الطائف وكان فيهم نساء وصبيان.
وإن كان فيهم أسارى مسلمون، فإن كان مضطرا إلى ذلك - بأن يخاف إن لم يرمهم نزلوا وظفروا به - جاز الرمي، وإن لم يكن ضرورة نظر في المسلمين، فإن كانوا نفرا يسيرا جاز الرمي لأن الظاهر أنه يصيب غيرهم إلا أنه يكره ذلك، لئلا يصيب مسلما، وإن كان المسلمون أكثر لم يجز الرمي لأن الظاهر أنه يصيب المسلمين، ولا يجوز قتل المسلمين لغير ضرورة.
وله أن يفتح عليهم الماء فيغرقهم ويرميهم بالنار والحطب والحيات والعقارب وكل ما فيه ضرر عليهم، وكره أصحابنا إلقاء السم في بلادهم.
وله أن يغير عليهم وهم غازون فيضع السيف فيهم، فإن النبي صلى الله عليه وآله وآله أغار على بني المصطلق، وروي كراهية التبييت له حتى يصبح، والوجه فيه