ومتى امتنع أهل الكتاب من بذل الجزية قوتلوا وسبيت ذراريهم ونساؤهم وأموالهم وتكون فيئا.
وينبغي للإمام أن يبدأ بقتال من يليه من الكفار الأقرب فالأقرب، والأولى أن يستحق كل طرف من أطراف بلاد الإسلام بقوم يكونون أكفاء لمن يليهم من الكفار، فيبني الحصون ويحفر الخنادق إن أمكنه، ويولي عليهم عاملا عاقلا دينا خيرا شجاعا، يقدم في موضع الإقدام ويتأنى في موضع التأني، فإذا فعل الإمام ذلك فإنه يغزو بالمسلمين أهل الديوان وغيرهم ممن ينشط، وإنما قلنا: الأولى قتال من يليه، لقوله تعالى: قاتلوا الذين يلونكم من الكفار، إلا أن يكون الأبعد أشد خوفا من الأقرب فيبدأ بهم ثم يعود إلى الأقرب لأنه موضع ضرورة.
وإذا كان في المسلمين قلة وضعف وفي المشركين كثرة وقوة فالأولى أن يؤخر الجهاد ويتأنى حتى يحصل للمسلمين قوة، فإذا اشتدت شوكة المسلمين وعلم قوتهم لا يجوز أن يؤخر القتال، وأقل ما عليه أن يغزو في كل عام غزوة، وكلما أكثروا الجهاد كان أفضل لأنه من فرائض الكفايات فكلما كان أكثر كان أفضل.
وكان في بدو الإسلام أن يصاف واحد لعشرة، ثم نسخ بوقوف الواحد لاثنين بدليل الآية، وليس المراد بذلك أن يقف الواحد بإزاء العشرة أو اثنين وإنما يراد الجملة وأن جيش المسلمين إذا كان نصف جيش المشركين بلا زيادة وجب الثبات، وإن كان أكثر من ذلك لم يلزم وجاز الانصراف.
ومعنى لزوم الثبات أنه لا يجوز الانصراف إلا في موضعين:
أحدهما: أن ينحرف لقتال وتدبير، بأن ينحرف عن مضيق إلى اتساع لتجول الخيل، أو من معاطش إلى مياه، أو كانت الشمس أو الريح في وجوههم فاستدبروها، وما أشبه ذلك.
والثاني: أن يتحيزوا إلى فئة وجماعة لقوله تعالى: إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة.