الإمام إذا أراد أن يعقد الهدنة وهو مستظهر وكان في ذلك نظر للمسلمين فيجوز إلى أربعة أشهر على ما قدمناه بلا زيادة.
إذا أراد الإمام ترك القتال والموادعة على مال يبذله للمشركين، فإن لم يكن مضطرا إلى ذلك لم يجز - سواء كان من حاجة أو غير حاجة - لقوله تعالى:
حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون، والجزية تؤخذ من المشركين صغارا فلا يجوز أن نعطيهم نحن ذلك، وإن كان مضطرا كان ذلك جائزا. والضرورة من وجوه:
منها أن يكون أسير في أيديهم يستهان به ويستخدم ويسترق ويضرب، فيجوز للإمام أن يبذل المال ويستنقذه من أيديهم لأن فيه مصلحة من استنقاذه نفسا مؤمنة من العذاب.
ومنها أن يكون المسلمون في حصن وأحاط بهم العدو وأشرفوا على الظفر بهم، أو كانوا خارجين من المصر وقد أحاط العدو بهم، أو لم يحط لكنه ما كان مستظهرا عليهم فيجوز هاهنا أن يبذل المال على ترك القتال لأن النبي صلى الله عليه وآله شاور في مثل هذا عام الخندق وأراد أن يصالحهم على شطر ثمار المدينة حتى امتنع الأنصار من ذلك فثبت جوازه. فإذا أخذ المشركون هذا المال لم يملكوه، فإن ظفر بهم فيما بعد كان مردودا إلى موضعه.
إذا صالح أهل الذمة على ما لا يجوز المصالحة عليه - مثل أن يصالحهم على أن لا تجري عليهم أحكامنا، أو لا يمتنعوا من إظهار المناكير، أو على أن لا يردوا ما يأخذونه من الأموال، أو أن يرد إليهم من جاء من عندهم مسلما مهاجرا، أو يأخذ جزية أقل مما يحتمل حالهم وما أشبه ذلك - كان ذلك كله باطلا وعلى من عقد الصلح نقضه وإبطاله، لأن النبي صلى الله عليه وآله عقد الصلح عام الحديبية على أن يرد إليهم كل من جاء منهم مسلما مهاجرا فمنعه الله تعالى من ذلك ونهاه عنه بقوله عز وجل: يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات... الآية.