مستظهرا وكان في الهدنة مصلحة للمسلمين ونظر لهم - بأن يرجو منهم الدخول في الإسلام أو بذل الجزية - فعل ذلك، وإن لم يكن فيه نظر للمسلمين بل كانت المصلحة في تركه - بأن يكون العدو قليلا ضعيفا وإذا ترك قتالهم اشتدت شوكتهم وقووا - فلا تجوز الهدنة لأن فيها ضررا على المسلمين.
فإذا هادنهم في الموضع الذي يجوز فيجوز أن يهادنهم أربعة أشهر بنص القرآن العزيز وهو قوله تعالى: فسيحوا في الأرض أربعة أشهر، ولا يجوز إلى سنة وزيادة عليها بلا خلاف، لقوله تعالى: فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم، فاقتضى ذلك قتلهم بكل حال وخرج قدر الأربعة أشهر بدليل الآية الأولى وبقى ما عداه على عمومه، فأما إذا كانت المدة أكثر من أربعة أشهر وأقل من سنة فالظاهر المتقدم يقتضي أنه لا يجوز، وقيل: إنه يجوز مثل مدة الجزية.
فأما إذا لم يكن الإمام مستظهرا على المشركين بل كانوا مستظهرين عليه لقوتهم وضعف المسلمين، أو كان العدو بالبعد منهم وفي قصدهم التزام مؤن كثيرة، فيجوز أن يهادنهم إلى عشر سنين لأن النبي صلى الله عليه وآله هادن قريشا عام الحديبية إلى عشر سنين ثم نقضوها من قبل نفوسهم، فإن هادنهم إلى أكثر من عشر سنين بطل العقد فيما زاد على العشر سنين وثبت في العشر سنين.
ولا بد من أن تكون مدة الهدنة معلومة، فإن عقدها مطلقة إلى غير مدة كان العقد باطلا لأن إطلاقها يقتضي التأبيد وذلك لا يجوز في الهدنة، فأما إن هادنهم على أن الخيار إليه متى شاء نقض فإنه يجوز، وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه فتح خيبر عنوة إلا حصنا منها فصالحوه على أن يقرهم ما أقرهم الله، وروي أنه قال لهم: نقركم ما شئنا.
والحربي إذا أراد أن يدخل بلد الإسلام رسولا أو مستأمنا، فإن كان لقضاء حاجة من نقل ميرة أو تجارة أو أداء رسالة ولم يطلب مدة معلومة جاز أن يدخل يوما ويومين وثلاثة إلى العشرة، فإن أراد أن يقيم مدة فالحكم فيه كالحكم في