فإذا ثبت هذا فكل من جاء من المشركين مسلما مهاجرا وكان قد شرط الإمام رد من جاء منهم فإنه إن كان له رهط وعشيرة يأمن أن يفتنوه عن دينه جاز له رده، وإن لم يكن له رهط وعشيرة ولا يأمن أن يفتن عن دينه لم يجز رده، فإذا ثبت أنه لا يجب رد من لا عشيرة له لا يجب رد البذل عنه.
وإذا وقعت الهدنة على وضع الحرب وكف النقض عن البعض فجاءتنا امرأة منهم مسلمة مهاجرة لا يجوز ردها بحال، سواء كان شرط ردها أو لم يشرط، وسواء كان لها رهط وعشيرة أو لم يكن، لأن رهطها وعشيرتها لا يمنعونها من التزويج بالكافر وذلك غير جائز وتفارق بذلك الرجل.
فإذا ثبت أنها لا ترد، فإن جاء غير زوجها يطلبها - إما الأب أو الأخ أو العم - أو الزوج ولم يكن أقبضها المهر فإنه لا يرد عليه شئ، وإن جاء زوجها وكان قد دفع إليها مهرها وطالب بالمهر رد عليه لقوله تعالى: فلا ترجعوهن إلى الكفار، ثم قال عز وجل: وآتوهم ما أنفقوا، وقد قال أكثر الفقهاء: لا يرد لأن فوت البضع ليس بمال ولا في معنى المال، فلا يجب رده، وهذا قياس ونحن لا نترك الظاهر للقياس.
فإذا ثبت أنه يرد المهر فجاءتنا امرأة مهاجرة مسلمة نظر، فإن كان غير الزوج أو الزوج ولم يدفع المهر أو لم يسم المهر لا يرد عليه شئ لأن الله تعالى قال: وآتوهم ما أنفقوا، وهذا ما أنفق، وإن كان قد سمى مهرا فاسدا وأقبضها - كالخمر والخنزير وغيره - لم يكن له المطالبة لأنه ليس بمال ولا قيمة له في شرعنا، وإن كان أقبضها مهرا صحيحا كان له المطالبة بما دفع إليها للآية، هذا إذا قدمت إلى بلد الإمام أو بلد خليفته ومنع من ردها، وأما إذا قدمت إلى غير بلدهما فمنع غير الإمام وغير خليفته من ردها فلا يلزم الإمام أن يعطيهم شيئا - سواء كان المانع من ردها العامة أو رجال الإمام - لأن البذل يعطي الإمام من المصالح فلا يتصرف غير الوالي فيه. وأما ما أنفقه في غير المهر من نفقة عرس وكرامة فإنه لا يرد لأنه تطوع به.