لهم ذلك كان قويا لأنا أقررناهم على التبقية، فلو منعناهم من العمارة لخربت.
وأما دور أهل الذمة فعلى ثلاثة أضرب: دار محدثة، ودار مبتاعة، ودار مجددة.
فأما المحدثة - فهو أن يشتري عرصة يستأنف فيها بناء - فليس له أن يعلو على بناء المسلمين لقوله عليه السلام: الإسلام يعلو ولا يعلى عليه، فإن ساوى بناء المسلمين ولم يعل عليه فعليه أن يقصره عنه، وقيل: إنه يجوز ذلك، والأول أقوى.
وأما الدور المبتاعة فإنها تقر على ما كانت عليه، لأنه هكذا ملكها.
وأما البناء الذي يعاد بعد انهدامه فالحكم فيه كالحكم في المحدث ابتداء، لا يجوز أن يعلو به على بناء المسلمين والمساواة على ما قلناه. ولا يلزم أن يكون أقصر من بناء المسلمين من أهل البلد كلهم، وإنما يلزمه أن يقصر عن بناء محلته.
والمساجد على ثلاثة أضرب: مسجد الحرام، ومسجد الحجاز، ومسجد سائر البلاد.
فأما مسجد الحرام - فهو عبارة عن الحرم عند الفقهاء - فلا يدخلن مشرك الحرم بحال لقوله تعالى: إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا.
وأما مسجد الحجاز فليس لهم دخوله إلا على ما سنبينه فيما بعد.
فأما سائر المساجد، فإن أرادوا دخولها للأكل والنوم وما أشبه ذلك منعوا منها، وإن دخولها لاستماع قرآن وعلم حديث منعوا منها لأنهم أنجاس والنجاسة تمنع المساجد، وقد قيل: إنهم يدخلونها لذلك لكن بإذن، والمذهب أنه ليس لهم ذلك ولا لأحد أن يأذن لهم في ذلك. فإن قدم وفد من المشركين على الإمام أنزلهم في فضول منازل المسلمين، وإن لم يكن لهم فضول منازل جاز أن ينزلهم في دار ضيافة إن كانت، وإن لم تكن جاز للإمام أن ينزلهم في المساجد لأن رسول الله صلى الله عليه وآله أنزل سبي بني قريظة والنضير في مسجد المدينة