الطباع، فإذا ذكر الأماكن الطيبة والوعد به لازم عند الفصيح، ولو تركه لقال من أمر بالعبادة ووعد عليها بالاكل والشرب، أن الأكل والشرب لا التذ به إذا كنت في حبس أو موضع كريه فلذا ذكر الله الجنة ومساكن طيبة فيها، وكان ينبغي أن يذكر من الملابس ما هو أرفعها، وأرفع الملابس في الدنيا الحرير، وأما الذهب فليس مما ينسج منه ثوب، ئم ان الثوب من غير الحرير لا يعتبر فيه الوزن والثقل، وربما يكون الصفيق الخفيف أرفع من الثقيل الوزن، واما الحرير فكلما كان ثوبه أثقل كان أرفع فحينئذ وجب على الفصيح ان يذكر الأثقل الأثخن ولا يتركه في الوعد لئلا يقصر في الحث والدعاء ثم إن هذا الواجب الذكر إما أن يذكر بلفظ واحد وموضوع له صريح أو لا يذكر بمثل هذا ولا شك أن الذكر باللفظ الواحد الصريح أولى لأنه أوجز وأظهر في الإفادة، وذلك (استبرق) فان أراد الفصيح أن يترك هذا اللفظ ويأتي بلفظ آخر لم يمكنه لأن ما يقوم مقامه إما لفظ واحد أو ألفاظ متعددة ولا يجد العربي لفظا واحدا يدل عليه لأن الثياب من الحرير عرفها العرب من الفرس ولم يكن لهم بها عهد ولا وضع في اللغة العربية للديباج الثخين اسم وانما عربوا ما سمعوا من العجم واستغنوا به عن الوضع لقلة وجوده عندهم وندرة تلفظهم به وأما أن ذكره بلفظين فأكثر فإنه يكون قد أخل بالبلاغة لأن ذكر اللفظين بمعنى يمكن ذكره بلفظ تطويل، فعلم بهذا أن لفظ (إستبرق) يجب على كل فصيح أن يتكلم به في موضعه ولا يجد ما يقوم مقامه وأي فصاحة أبلغ من أن لا يوجد غيره مثله إنتهى.
هذا ما أمكننا الوقوف على مستندات القولين (1).
وهنا رأى آخر لعله أقرب إلى الصواب وبه يجمع بينهما نسب إلى أبي عبيد القاسم ابن سلام قال بعد أن حكى القول بالوقوع عن الفقهاء والمنع عن أهل العربية: (والصواب عندي مذهب تصديق القولين جميعا وذلك أن هذه الأحرف أصولها أعجمية كما قال