ولئن أغمضنا النظر عن ذلك فالأقدمية لا تقتضى عدم تعريب تلك الألفاظ إذ من الممكن مع ذلك أن العرب لم يكونوا يعرفونها ولا يستعملونها إلا بعد مخالطتهم بغيرهم في أسفارهم وتجاراتهم فاخذوها وغيروها عن موادها الأصلية بالنقص والزيادة في حروفها فجرت مجرى العربي فنزل القرآن بها كما يرشدنا إلى ذلك جملة من الأسماء التي كانوا فاقدين لمسمياتها.
ومن ذلك (الدرهم والدينار) وقد ورد ذكرهما في القرآن وعرفت في الفصل الثاني (ص 33 - 40) تصريح جماعة من المؤرخين والباحثين عن النقود بأن النقود الدارجة في بلاد العرب في الجاهلية وصدر الاسلام كانت دنانير رومية ودراهم كسروية وقد صرح البستاني في دائرة المعارف (1) بان الجاهلية لم تكن تعرف الدنانير قبل اختلاطها بالعجم. كما نفى الشك عن أن الدرهم العربي مأخوذ من درهم الساسانيين في دائرة المعارف الاسلامية (2).
مع أن مجرد ذلك لا يلازم نزول جميع الأحرف القرآنية بلغتهم بل قد تكون هناك حكمة اقتضت نزول عدة كلمات منها بلسان أمم مختلفة كما سنشير إليها قريبا.
وأما ما ذكره أخيرا بقوله: (فلعل الخ) فهو احتمال لا يستند إلى مستند وثيق.
وأما القول الثاني فقد استدل عليه أيضا بأمور:
منها إتفاق النحاة على أن منع صرف نحو إبراهيم إنما كان للعلمية و العجمة فلو لا وقوع غير العربية في القرآن لما كان له وجه ورد بان وقوع الاعلام العربة فيه ليس محل خلاف بينهم بل الكلام في غيرها، وأجيب عنه بأن وقوعها إذا كان متفقا عليه فلا مانع من وقوع الأجناس فيه أيضا.