ومنها أن الحكمة في وقوع تلك الألفاظ في القرآن هي الإشارة إلى أنه حوى علوم الأولين والآخرين ونباء كل شئ فلا بد أن تقع فيه الإشارة إلى أنواع اللغات والألسن لتتم إحاطته بكل شئ فاختير له من كل لغة أعذبها وأخفها وأكثر استعمالا للعرب.
ومنها أن ذلك من خصائص القرآن على سائر كتب الله تعالى المنزلة حيث أنها نزلت بلغة القوم الذين أنزلت عليهم ولم ينزل فيها شئ بلغة غيرهم والقرآن احتوى على جميع لغات العرب وانزل فيه بلغات الروم والفرس والحبشة شئ كثير.
ومنها أن النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم مرسل إلى كل أمة، وقد قال الله تعالى (و ما أرسلنا رسولا إلا بلسان قومه) فلا بد وأن يكون في الكتاب المبعوث به من لسان كل قوم وإن كان أصله بلغة قوم هو منهم أقول وللنظر في هذه المستندات أيضا مجال واسع لا يكاد يخفى على الأديب البارع.
ثم أن السيوطي نقل في الاتقان عن الجويني فائدة أخرى لوقوع المعرب في القرآن لا باس بذكرها هنا تتميما للفوائد.
قال: فقال (الجويني): ان قيل إن استبرق ليس بعربي وغير العربي من الألفاظ دون العربي في الفصاحة والبلاغة.
فنقول: لو اجتمع فصحاء العالم وأرادوا أن يتركوا هذه اللفظة ويأتوا بلفظ يقوم مقامها في الفصاحة لعجزوا عن ذلك، وذلك لان الله تعالى إذا حث عباده على الطاعة فإن لم يرغبهم بالوعد الجميل ويخوفهم بالعذاب الوبيل لا يكون حثه على وجه الحكمة، فالوعد والوعيد نظرا إلى الفصاحة واجب، ثم إن الوعد بما يرغب فيه العقلاء، وذلك منحصر في أمور الأماكن الطيبة، ثم المآكل الشهية، ثم المشارب الهنيئة، ثم الملابس الرفيعة، ثم المناكح اللذيذة، ثم ما بعده مما يختلف فيه