العقل بعدم الترجيح في الثاني يحكم بعدمه في الأول.
وما ذكرناه وإن أمكن أن يكون بعيدا من الأذهان ابتداءا لكن بالنظر والتأمل في الموالي العرفية والعبيد المأمورين بتحصيل أغراضهم يرفع الاستبعاد، ولا يبعد أن تكون الروايات الواردة في الباب وترجيح الجنب في مقام الدوران بين رفع الجنابة ورفع الحدث الأصغر وغسل الميت، وترجيح رفع الحدث الأصغر من جماعة ورفع الجنابة من واحد لأجل ما ذكرناه من اعتبار المكلفين، كأنهم شخص واحد مأمور بتحصيل غرض المولى، وإلا فلا وجه للترجيح في التكاليف المتعددة والأشخاص المختلفة لعدم التعارض بينها إلا باعتبار ما ذكر. تأمل.
ففي صحيحة عبد الرحمن بن أبي نجران " أنه سأل أبا الحسن موسى بن جعفر عليه السلام عن ثلاثة نفر كانوا في سفر أحدهم جنب والثاني ميت والثالث على غير وضوء وحضرت الصلاة ومعهم من الماء قدر ما يكفي أحدهم، من يأخذ الماء وكيف يصنعون؟ قال: يغتسل الجنب ويدفن الميت بتيمم، ويتيمم الذي هو على غير وضوء لأن غسل الجنابة فريضة و غسل الميت سنة والتيمم للآخر جائز " (1).
وقريب منها رواية الحسن بن النظر الأرمني (2) إلا أن فيها فرض ميت وجنب ورواية الحسن التفليسي (3) وفي ذيلها إذا اجتمعت سنة وفريضة بدء بالفرض، وفي موثقة أبي بصير " قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قوم كانوا في سفر فأصاب بعضهم جنابة وليس معهم من الماء إلا ما يكفي الجنب لغسله، يتوضأون هم هو أفضل أو يعطون الجنب فيغتسل وهم لا يتوضأون؟ فقال: يتوضأون هم ويتيمم الجنب " (4).
والظاهر أن وقوع المزاحمة والترجيح بما ذكر إنما هو لكون المولى واحدا والعبيد كأنهم واحد كما أشرنا إليه. تأمل.