قادتنا كيف نعرفهم - آية الله العظمى السيد محمد هادي الحسيني الميلاني - ج ٤ - الصفحة ٦٧
يوسف: تستحين من صنم لا يأكل ولا يشرب ولا استحي أنا من الهي الذي هو قائم على كل نفس بما كسبت؟ ثم قال: واللَّه لا تنالينها مني أبداً. فهو البرهان الذي رأى» «1».
قال الشبلنجي: «روى الزهري قال: حج هشام بن عبد الملك فدخل
(١) حلية الأولياء ج ٣ ص ١٨١، ولقد أجاد السيد المرتضى في بيان معنى الآية ودفع شبهة المعصية عن يوسف عليه السّلام، فقال: ان قيل: فما تأويل قوله تعالى حاكياً عن يوسف عليه السّلام وإمرأة العزيز «وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ»؟
الجواب: ان الهم ينقسم الى وجوه، منها: العزم على الفعل كقوله تعالى «إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَن يَبْسُطُواْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ» أي أرادوا ذلك وعزموا.
ومنها خطور الشي ء بالبال وان لم يقع العزم على، قال اللَّه تعالى: «إِذْ هَمَّت طَّآئِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلَا وَاللّهُ وَلِيُّهُمَا» وانما أراد تعالى ان الفشل خطر ببالهم ولو كان لهم في هذا المكان عزم لما كان اللَّه تعالى وليهما، لأن ارادة المعصية والعزم عليها معصية، ففرق كما ترى بين الهم والعزم، وظاهر التفرقة يقتضي اختلاف المعنى.
ومنها: أن يستعمل بمعنى المقاربة فيقولون: هم بكذا وكذا، أي كاد يفعله.
ومنها: الشهودة وميل الطباع، لان الانسان قد يقول في ما يشتهيه ويميل طبعه اليه: ليس هذا من همي، وهذا أهم الأشياء إلي، والتجوز باستعمال الهمة مكان الشهوة ظاهر في اللغة.
وقد روي هذا التأويل عن الحسن البصري، قال: أما همها فكان أخبث الهم، وأما همه عليه السلام فما طبع عليه الرجال من شهوة النساء.
فإذا كانت وجوه هذه اللفظة مختلفة متسعة على ما ذكرناه نفينا عن نبي اللَّه ما لا يليق به وهو العزم على القبيح، وأجزنا باقي الوجوه لأن كل واحدٍ منها يليق بحاله.
ومتى حملنا الهم ها هنا على العزم جاز أن نعلقه بغير القبيح ونجعله متناولًا لضربها أو دفعها عن نفسه كما يقول القائل: قد كنت همت بفلان أي بأن أوقع به ضرباً أو مكروهاً.
فان قيل: فأي فائدة على هذا التأويل في قوله تعالى «لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ»؟ والدفع لها عن نفسه طاعة لا يصرف البرهان عنها.
قلنا: يجوز أن يكون لما هم بدفعها وضربها أراه اللَّه تعالى برهاناً على أنه ان قدم على ما هم به أهلكه أهلها وقتلوه، أو انها تدعى المراودة على القبيح وتقذفه بأنه دعاها اليه وضربها لامتناعها منه فأخبر اللَّه تعالى أنه صرف بالبرهان عنه السوء والفحشاء اللذين هما القتل والمكروه أو ظن القبيح به أو اعتقاده فيه». انتهى ملخصاً عن (تنزيه الأنبياء) للسيد المرتضى ص 47- 51.