تحمل اليه من جميع الجهات والزكوات والأخماس، وانه اشترى ضيعة سماها التيسيريّة بثلاثين ألف دينار، فخرج الرشيد في تلك السنة يريد الحج وبدأ بدخوله الى المدينة، فلما أتاها استقبله موسى بن جعفر في جماعة من الأشراف، فلما دخلها واستقر ومضى كل الى سبيله، ذهب موسى على جاري عادته الى المسجد وأقام الرشيد الى الليل وسار الى قبر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم فقال: يا رسول اللَّه اني اعتذر اليك من أمرٍ أريد أن افعله وهو أن أمسك موسى بن جعفر، فانه يريد التشعيب بين أمتك وسفك دمائهم وإني أريد حقنها، ثم خرج فأمر به فأخذ من المسجد ودخل به اليه فقيّده في تلك الساعة واستدعى بقبتين، فجعل كل واحدةٍ منهما على بغل، فجعله في احدى القبتين وسترها بالسقلاط وجعل مع كل واحد منهما خيلًا، وأرسل بواحدةٍ منهما على طريق البصرة وبواحدةٍ على طريق الكوفة، وانما فعل الرشيد ذلك ليعمي أمره على الناس.
وكان موسى الكاظم في القبة التي أرسل بها على طريق البصرة، وأوصى القوم الذين كانوا معه أن يسلموه الى عيسى بن جعفر بن منصور وكان على البصرة يومئذٍ والياً، فسلموه اليه فتسلمه منهم وحبسه عنده سنة فبعد السنة كتب اليه الرشيد في سفك دمه واراحته منه، فاستدعى عيسى بن جعفر بعض خواصه وثقاته اللائذين به والناصحين له فاستشارهم بعد أن اراهم ما كتب به اليه الرشيد، فقالوا: نشير عليك بالاستعفاء من ذلك وأن لا تقع فيه، فكتب عيسى بن جعفر الى الرشيد، يقول: يا أمير المؤمنين كتبت اليّ في هذا الرجل وقد اختبرته طول مقامه في حبسي بمن حبسته معه عيناً عليه لينظروا حيلته وأمره وطويته بمن له المعرفة والدراية ويجري من الانسان مجرى الدم، فلم يكن منه سوء قط ولم يذكر أمير المؤمنين الّا بخير، ولم يكن عنده تطلع الى ولاية ولا خروج ولا شي ء من أمر الدنيا