لأن النبوة يعقدها أهل السماء والإمامة يعقدها أهل الأرض، فعقد النبوة بالملائكة، وعقد الإمامة بالنبي، والعقدان جميعاً بأمر اللَّه جل جلاله، قال: فما الدليل على ذلك؟ قال هشام: الإضطرار في هذا، قال ضرار: وكيف ذلك؟ قال هشام: لا يخلو الكلام في هذا من أحد ثلاثة وجوه: إما أن يكون اللَّه عزّوجل رفع التكليف عن الخلق بعد الرسول صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم فلم يكلفهم ولم يأمرهم ولم ينههم، فصاروا بمنزلة السباع والبهائم التي لا تكليف عليها، أفتقول هذا يا ضرار ان التكليف عن الناس مرفوع بعد الرسول صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم؟ قال: لا أقول هذا.
قال هشام: فالوجه الثاني، ينبغي أن يكون الناس المكلفون قد استحالوا بعد الرسول صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم علماء في مثل حدّ الرسول في العلم حتى لا يحتاج أحدٌ إلى أحد، فيكونوا كلهم قد استغنوا بأنفسهم وأصابوا الحق الذي لا اختلاف فيه، أفتقول هذا ان الناس استحالوا علماء حتى صاروا في مثل حدّ الرسول في العلم بالدين حتى لا يحتاج أحد إلى أحد مستغنين بأنفسهم عن غيرهم في إصابة الحق؟ قال: لا أقول هذا ولكنهم يحتاجون الى غيرهم.
قال: فبقي الوجه الثالث، وهو أنه لا بد لهم من عالم يقيمه الرسول لهم، لا يسهو ولا يغلط ولا يحيف، معصوم من الذنوب مبرّءٌ من الخطايا، يحتاج الناس اليه ولا يحتاج الى أحد قال: فما الدليل عليه؟ قال هشام: ثمان دلالات أربع في نعت نسبه وأربع في نعت نفسه.
فاما الأربع التي في نعت نسبه: فانه يكون معروف الجنس، معروف القبيلة، معروف البيت، وأن يكون من صاحب الملّة والدعوة اليه إشارة، فلم ير جنس من هذا الخلق أشهر من جنس العرب الذين منهم صاحب الملّة والدعوة الذي ينادى