قول اللَّه عزّوجل «يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا». فلما نزلت هذه الآية أحسّ القوم بتحريمها وتحريم الميسر وعلموا أن الاثم مما ينبغي اجتنابه ولا يحمل اللَّه عزّوجل عليهم من كل طريق لأنه قال: ومنافع للناس ثم أنزل اللَّه عزّوجل آية أخرى: «إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ» «١» فكانت هذه الآية أشدّ من الأولى وأغلظ في التحريم ثم ثلث بآية أخرى فكانت اغلظ من الآية الأولى والثانية وأشد فقال عزّوجل: «إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ» «٢» فأمر عزّوجل باجتنابها وفسر عللها التي لها ومن أجلها حرمها ثم بين اللَّه عزّوجل تحريمها وكشفه في الآية الرابعة مع ما دل عليه في هذه الآية المذكورة المتقدمة بقوله عزّوجل: «قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ» «٣» وقال عزّوجل في الآية الأولى: «يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ» ثم قال الآية الرابعة: «قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ» «4» فخبّر اللَّه عزّوجل أن الاثم في الخمر وغيرها وانه حرام وذلك أن اللَّه عزّوجل إذا أراد أن يفترض فريضة أنزلها شيئاً بعد شي ء حتى يوطن الناس انفسهم عليها ويسكنوا الى أمر اللَّه عزّوجل ونهيه فيا وكان ذلك من فعل اللَّه عزّوجل على وجه التدبير فيهم أصوب واقرب لهم الى الأخذ بها واقل لنفارهم منها» «5».
(١٦٠)