قلت: من الكوفة، فقال: من تعرف من الكوفة؟ قلت: بشير النبال وشجرة، قال:
وكيف صنيعتهما اليك؟ فقلت: ما أحسن صنيعتهما الي، قال: خير المسلمين من وصل وأعان ونفع، ما بتّ ليلة قط وللَّه في مالي حق يسألنيه، ثم قال: أيّ شي ء معكم من النفقة؟ قلت: عندي مائتا درهم، قال: أرنيها! فأتيته بها فزادني فيها ثلاثين درهماً ودينارين، ثم قال: تعشّ عندي! فجئت فتعشيت عنده، قال: فلما كان من القابلة لم أذهب اليه، فأرسل إليّ فدعاني من غده فقال: مالك لم تأتني البارحة قد شفقت عليّ؟ فقلت: لم يجئني رسولك، قال: فأنا رسول نفسي اليك ما دمت مقيماً في هذه البلدة، أي شي ء تشتهي من الطعام؟ قلت: اللبن، قال:
فاشترى من أجلي شاة لبونا، قال: فقلت له علمني دعاءً!! قال: اكتب: بسم اللَّه الرحمن الرحيم، يا من أرجوه لكل خير وآمن سخطه عند كلّ عثرة، يا من يعطي الكثير بالقليل، ويا من اعطى من سأله تحنناً منه ورحمة، يا من اعطى من لم يسأله ولم يعرفه، صل على محمّد وأهل بيته، واعطني بمسألتي اياك جميع خير الدنيا وجميع خير الآخرة، فانّه غير منقوص ما أعطيت وزدني من سعة فضلك يا كريم، ثم رفع يديه، فقال يا ذا المنّ والطول يا ذا الجلال والاكرام يا ذا النعماء والجود حرّم شيبتي على النار، ثم وضع يده على لحيته ولم يرفعها الّا وقد امتلأ ظهر كفه دموعاً» «1».
قال أبو عبد اللَّه عليه السّلام لمحمّد ابنه: «يا بني كم فضل معك من تلك النفقة؟ قال: أربعون ديناراً، قال: اخرج فتصدق بها، قال: انه لم يبق معي غيرها، قال: تصدق بها فان اللَّه عزّوجل يخلفها، أما علمت أن لكل شي ء مفتاحاً ومفتاح الرزق الصدقة، فتصدق بها، ففعل، فما لبث أبو عبد اللَّه عليه السّلام عشرة أيام