وإن عبر عنهما بنحو قولهم: (سلب الضرورتين)، فكيف يكون صفة واحدة ناعتة للممكن؟! سلمنا أنه يرجع إلى سلب الضرورتين، وأنه سلب واحد، لكنه - كما يظهر من التقسيم - سلب تحصيلي لا إيجاب عدولي، فما معنى اتصاف الممكن به في الخارج ولا اتصاف إلا بالعدول؟ كما اضطروا إلى التعبير عن الإمكان بأنه لا ضرورة الوجود والعدم، وبأنه استواء نسبة الماهية إلى الوجود والعدم عندما شرعوا في بيان خواص الإمكان ككونه لا يفارق الماهية وكونه علة للحاجة إلى العلة، إلى غير ذلك.
وجه الاندفاع (1): أن القضية المعدولة المحمول تساوي السالبة المحصلة عند وجود الموضوع (2)، وقولنا: (ليس بعض الموجود ضروري الوجود ولا العدم) وكذا قولنا: (ليست الماهية من حيث هي ضرورية الوجود ولا العدم) الموضوع فيه موجود، فيتساوى الايجاب العدولي والسلب التحصيلي في الإمكان. ثم لهذا السلب نسبة إلى الضرورة وإلى موضوعه المسلوب عنه الضرورتان، يتميز بها من غيره، فيكون عدما مضافا، له حظ من الوجود وله ما تترتب عليه من الآثار، وإن وجده العقل أول ما يجد في صورة السلب التحصيلي كما يجد العمى - وهو عدم مضاف - كذلك أول ما يجده.
ويتفرع على ما تقدم أمور:
الأمر الأول: أن موضوع الإمكان هو الماهية، إذ لا يتصف الشئ بلا ضرورة الوجود والعدم إلا إذا كان في نفسه خلوا من الوجود والعدم جميعا وليس إلا الماهية من حيث هي، فكل ممكن فهو ذو ماهية. وبذلك يظهر معنى قولهم: (كل ممكن زوج تركيبي، له ماهية ووجود) (3).
وأما إطلاق الممكن على وجود غير الواجب بالذات وتسميته بالوجود