وفيه: أن نحو وجود النفس بما أنها نفس أنها صورة مدبرة للبدن، فتدبير البدن ذاتي لها حيثما فرضت نفسا. فلا يؤول الجمع بين ذاتية العلوم لها وبين شاغلية تدبير البدن لها عن علومها إلا إلى المناقضة.
نعم، يتجه هذا القول بناء على ما نسب إلى أفلاطون (1) أن النفوس قديمة زمانا والعلوم ذاتية لها وقد سنح لها التعلق التدبيري بالأبدان فأنساها التدبير علومها المرتكزة في ذواتها.
لكنه فاسد بما تحقق في علم النفس من حدوث النفوس بحدوث الأبدان على ما هو المشهور أو بحركة جواهر الأبدان بعد حدوثها (2).
وربما وجه القول بقدمها بأن المراد به قدم نشأتها العقلية المتقدمة على نشأتها النفسانية. لكن لا يثبت بذلك أيضا أن حصول العلم بالذكر لا بالانتقال الفكري من الأسباب إلى المسببات أو من بعض اللوازم العامة إلى بعض آخر، كما تقدم (3).
الفصل الخامس عشر في انقسامات أخر للعلم قال في الأسفار ما ملخصه: (إن العلم عندنا نفس الوجود غير المادي، والوجود ليس في نفسه طبيعة كلية جنسية أو نوعية حتى ينقسم بالفصول إلى الأنواع، أو بالمشخصات إلى الأشخاص، أو بالقيود العرضية إلى الأصناف، بل كل علم هوية شخصية بسيطة غير مندرجة تحت معنى كلي ذاتي.
فتقسيم العلم باعتبار عين تقسيم المعلوم لاتحاده مع المعلوم اتحاد الوجود مع الماهية، فعلى هذا نقول: إن من العلم ما هو واجب الوجود بذاته وهو علم الأول (تعالى) بذاته الذي هو عين ذاته بلا ماهية، ومنه ما هو ممكن الوجود بذاته وهو علم جميع ما عداه. وينقسم إلى ما هو جوهر، كعلوم الجواهر العقلية بذواتها،