نتصور الأرض على سعتها بسهولها وبراريها وجبالها وما يحيط بها من السماء بأرجائها البعيدة، والنجوم والكواكب بأبعادها الشاسعة، وحصول هذه المقادير العظيمة في الذهن - أي انطباعها في جزء عصبي أو جزء دماغي - من انطباع الكبير في الصغير، وهو محال.
ولا يجدي الجواب عنه بما قيل (1): (إن المحل الذي ينطبع فيه الصور منقسم إلى غير النهاية)، فإن الكف لا تسع الجبل وإن كانت منقسمة إلى غير النهاية (2).
وجه الاندفاع: أن الحق - كما سيأتي بيانه (3) -، أن الصور العلمية الجزئية غير مادية، بل مجردة تجردا مثاليا فيه آثار المادة من الأبعاد والألوان والأشكال، دون نفس المادة، والإنطباع من أحكام المادة، ولا انطباع في المجرد.
وبذلك يندفع أيضا إشكال آخر: هو أن الاحساس والتخيل على ما بينه علماء الطبيعة بحصول صور الأجسام بما لها من النسب والخصوصيات الخارجية في الأعضاء الحساسة وانتقالها إلى الدماغ، مع ما لها من التصرف في الصور بحسب طبائعها الخاصة، والإنسان ينتقل إلى خصوصيات مقاديرها وأبعادها وأشكالها بنوع من المقايسة بين أجزاء الصورة الحاصلة عنده - على ما فصلوه في محله -