نفساني من مشاهدة مسكين محتاج إلى كمال، كالعافية والصحة والبقاء، ويترتب عليه أن يرفع الراحم حاجته وفاقته، فهي صفة محمودة كمالية، ويستحيل عليه (تعالى) التأثر والانفعال، فلا يتصف بحقيقة معناها، لكن تنتزع من ارتفاع الحاجة والتلبس بالغنى - مثلا - أنها رحمة، لأنه من لوازمها. وإذ كان رحمة، لها نسبة إليه (تعالى) اشتق منه صفة الرحيم صفة فعل له (تعالى)، والأمر على هذا القياس.
والإرادة المنسوبة إليه (تعالى) منتزعة من مقام الفعل، إما من نفس الفعل الذي يوجد في الخارج، فهو إرادة ثم إيجاب ثم وجوب ثم وجود، وإما من حضور العلة التامة للفعل كما يقال عند مشاهدة جمع الفاعل أسباب الفعل ليفعل: (أنه يريد كذا فعلا).
الفصل الرابع عشر في أن الواجب (تعالى) مبدأ لكل ممكن موجود وهو المبحث المعنون عنه بشمول إرادته للأفعال الذي حققته الأصول الماضية هو أن الأصيل من كل شئ وجوده (1)، وأن الموجود ينقسم إلى واجب بالذات وغيره (2)، وأن ما سوى الواجب بالذات - سواء كان جوهرا أو عرضا، وبعبارة أخرى سواء كان ذاتا أو صفة أو فعلا - له ماهية ممكنة بالذات متساوية النسبة إلى الوجود والعدم (3)، وأن ما شأنه ذلك يحتاج في تلبسه بأحد الطرفين من الوجود والعدم إلى مرجح يعين ذلك ويوجبه وهو العلة الموجبة (4)، فما من موجود ممكن إلا وهو محتاج في وجوده حدوثا وبقاء إلى علة توجب وجوده وتوجده واجبة بالذات أو منتهية إلى الواجب