ولما رأى الحكماء أن للحوادث الزمانية من الصور والأعراض إمكانا قبل وجودها منطبقا على حيثية القبول التي تسميه العامة قوة، سموا الوجود الذي للشئ في الإمكان (قوة)، كما سموا مبدأ الفعل (قوة)، فأطلقوا القوة على العلل الفاعلية وقالوا: (القوى الطبيعية والقوى النفسانية). وسموا الوجود الذي يقابله - وهو الوجود المترتب عليه الآثار المطلوبة منه - (وجودا بالفعل). فقسموا الموجود المطلق إلى ما وجوده بالفعل وما وجوده بالقوة. والقسمان هما المبحوث عنهما في هذه المرحلة، وفيها أربعة عشر فصلا.
الفصل الأول كل حادث زماني فإنه مسبوق بقوة الوجود وذلك لأنه قبل تحقق وجوده يجب أن يكون ممكن الوجود جائزا أن يتصف بالوجود وأن لا يتصف، إذ لو لم يكن ممكنا قبل حدوثه لكان إما ممتنعا فاستحال تحققه وقد فرض حادثا زمانيا، وهذا خلف، وإما واجبا فكان موجودا واستحال عدمه لكنه ربما تخلف ولم يوجد.
وهذا الإمكان أمر موجود في الخارج وليس اعتبارا عقليا لاحقا بماهية الشئ الممكن، لأنه يتصف بالشدة والضعف والقرب والبعد. فالنطفة التي فيها إمكان أن يصير إنسانا - مثلا - أقرب إلى الإنسان الممكن من الغذاء الذي يمكن أن يتبدل نطفة ثم يصير إنسانا، والإمكان في النطفة أيضا أشد منه في الغذاء مثلا.
ثم إن هذا الإمكان الموجود في الخارج ليس جوهرا قائما بذاته، وهو ظاهر، بل هو عرض قائم بموضوع يحمله، فلنسمه: (قوة)، ولنسم الموضوع الذي يحمله:
(مادة)، فإذن لكل حادث زماني مادة سابقة عليه تحمل قوة وجوده. ويجب أن تكون المادة غير ممتنعة عن الاتحاد بالفعلية التي تحمل إمكانها، وإلا لم تحمل إمكانها، فهي في ذاتها قوة الفعلية التي تحمل إمكانها، إذ لو كانت ذات فعلية في