الفصل الثالث عشر في أن العلم بذي السبب لا يحصل إلا من طريق العلم بسببه وما يتصل بذلك السبب ونعني به العلة الموجبة للمعلول بخصوصية عليته، سواء كانت علة بماهيتها كالأربعة التي هي علة للزوجية أو كانت علة بوجودها الخارجي، وهي الأمر الذي يستند إليه وجود المعلول ممتنعا استناده إلى غيره وإلا لكان لمعلول واحد علتان مستقلتان. ولما كان العلم مطابقا للمعلوم بعينه كانت النسبة بين العلم بالمعلول والعلم بالعلة هي النسبة بين نفس المعلول ونفس العلة. ولازم ذلك توقف العلم بالمعلول وترتبه على العلم بعلته، ولو ترتب على شئ آخر غير علته كان لشئ واحد أكثر من علة واحدة، وهو محال.
وظاهر من هذا البيان أن هذا حكم العلم بذات المسبب مع العلم بذات السبب دون العلم بوصفي العلية والمعلولية المتضائفين (1)، فإن ذلك مضافا إلى أنه لا جدوى فيه لجريانه في كل متضائفين مفروضين من غير اختصاص بالعلم، إنما يفيد المعية دون توقف العلم بالمعلول على العلم بالعلة، لأن المتضائفين معان قوة وفعلا وذهنا وخارجا.
فإن قلت: نحن كثيرا ما ندرك أمورا من طريق الحس، نقضي بتحققها الخارجي ونصدق بوجودها مع الجهل بعلتها، فهناك علم حاصل بالمعلول مع الجهل بالعلة، نعم يكشف ذلك إجمالا أن علتها موجودة.
قلنا: الذي يناله الحس هو صور الأعراض الخارجية من غير تصديق بثبوتها أو ثبوت آثارها، وإنما التصديق للعقل. فالعقل يرى أن الذي يناله الإنسان بالحس وله آثار خارجة منه لا صنع له فيه، وكل ما كان كذلك كان موجودا في خارج النفس الإنسانية. وهذا سلوك علمي من أحد المتلازمين إلى آخر.