والذي تقدم هو توقف العلم بذي السبب على سببه، وأما ما لا سبب له فإنما يعلم ثبوته من طريق الملازمات العامة كما حقق في صناعة البرهان (1).
فكون الشئ مستقلا عن شئ آخر ولا صنع له فيه وكونه مغايرا لذلك وخارجا عنه، صفتان عامتان متلازمتان لا سبب لهما، بل الملازمة ذاتية كسائر موضوعات الحكمة الإلهية، ووجود المحسوس في الخارج من النفس من مصاديق هاتين المتلازمتين ينتقل العقل من أحدهما إلى الآخر. وهذا كما أن الملازمة بين الشئ وبين ثبوته لنفسه ذاتية، وثبوت هذا الشئ لنفسه من مصاديقه، والعلم به لا يتوقف على سبب.
فقد ظهر مما تقدم أن البحث عن المطلوب إنما يفيد العلم به بالسلوك إليه عن طريق سببه إن كان ذا سبب أو من طريق الملازمات العامة إن كان مما لا سبب له.
وأما السلوك إلى العلة من طريق المعلول فلا يفيد علما البتة.
الفصل الرابع عشر في أن العلوم ليست بذاتية للنفس قيل (2): (إن ما تناله النفس من العلوم ذاتية لها موجودة فيها بالفعل في بدء كينونتها).
ولما أورد عليهم: أن ذلك ينافي الجهل المشهود من الإنسان ببعض العلوم والحاجة في فعليتها إلى الاكتساب. أجابوا (3) بأنها ذاتية فطرية لها، لكن اشتغال النفس بتدبير البدن أغفلها علومها وشغلها عن التوجه إليها.