فالأجسام كلها حادثة، وكل حادث مفتقر إلى محدث، فمحدثها أمر غير جسم ولا جسماني، وهو الواجب (تعالى)، دفعا للدور والتسلسل.
والحجة غير تامة، فإن المقدمة القائلة: (إن ما لا يخلو عن الحوادث فهو حادث) لا بينة ولا مبينة، وتغير أعراض الجوهر عندهم غير ملازم لتغير الجوهر الذي هو موضوعها، نعم لو بني على الحركة الجوهرية تمت المقدمة ونجحت الحجة. وهذه الحجة كما ترى - كالحجج الثلاث السابقة - مبنية على تناهي العلل وانتهائها إلى علة غير معلولة هو الواجب (تعالى).
الفصل الثالث في أن الواجب لذاته لا ماهية له وقد تقدمت المسألة في مرحلة الوجوب والإمكان (1)، وتبين هناك أن كل ما له ماهية فهو ممكن، وينعكس إلى أن ما ليس بممكن فلا ماهية له، فالواجب بالذات لا ماهية له، وكذا الممتنع بالذات.
وأوردنا هناك أيضا الحجة المشهورة التي أقاموها لنفي الماهية عن الواجب (تعالى وتقدس)، وهي: أنه لو كانت للواجب (تعالى) ماهية وراء وجوده كانت في ذاتها لا موجودة ولا معدومة، فتحتاج في تلبسها بالوجود إلى سبب، والسبب إما ذاتها أو أمر خارج منها، وكلا الشقين محال، أما كون ذاتها سببا لوجودها، فلأن السبب متقدم على مسببه وجودا بالضرورة، فيلزم تقدمها بوجودها على وجودها، وهو محال، وأما كون غيرها سببا لوجودها، فلأنه يستلزم معلولية الواجب بالذات لذلك الغير فيكون ممكنا، وقد فرض واجبا بالذات، وهذا خلف، فكون الواجب بالذات ذا ماهية وراء وجوده محال، وهو المطلوب.
وهذه حجة برهانية تامة لا غبار عليها. ونقضها بالماهية الموجودة التي