وجوديا لكان اما شرا لنفسه أو شرا لغيره لا جائز ان يكون شرا لنفسه والا لم يوجد لان وجود الشئ لا يقتضى عدم نفسه ولا عدم شئ من كمالاته ولو اقتضى الشئ عدم بعض ما له من الكمالات لكان الشر هو ذلك العدم لا هو نفسه ثم كيف يتصور ان يكون الشئ مقتضيا لعدم كمالاته مع كون جميع الأشياء طالبه لكمالاتها اللائقة بها والعناية الإلهية كما أشير إليها لا نقتضى اهمال شئ بل توجب ايصال كل شئ إلى كماله فيكون الأشياء بطبائعها وغرائزها طالبه لكمالاتها وغاياتها لا مقتضيه لعدمها ونقصانها ولا جائز أيضا ان يكون الشر على تقدير كونه وجوديا شرا لغيره لان كونه شرا لغيره اما ان يكون لأنه يعدم ذلك الغير أو يعدم بعض كمالاته أو لأنه لا يعدم شيئا فإن كان كونه شرا لكونه معدما للشئ أو لبعض كمالاته فليس الشر الا عدم ذلك الشئ أو عدم كماله لا نفس ذلك الامر الوجودي المعدم وان لم يكن معدما لشئ أصلا فليس بشر لما فرض انه شر له فان العلم الضروري حاصل بان كلما لا يوجب عدم شئ ولا عدم كماله فإنه لا يكون شرا لذلك لعدم استضراره به وإذا لم يكن الشر الذي فرضناه امرا وجوديا شرا لنفسه ولا شرا لغيره فلا يجوز عده من الشر وصوره هذا القياس على نظمه الطبيعي هكذا لو كان الشر امرا وجوديا لكان الشر غير شر والتالي باطل فكذا المقدم وبيان اللزوم وبطلان التالي ما مر تقريره فعلم أن الشر امر عدمي لا ذات له اما عدم ذات أو عدم كمال ذات وأنت إذا تأملت واستقريت معاني الشرور وأحوالها ونسبها وجدت كلما يطلق عليه اسم الشر لا يخرج من أمرين فإنه اما عدم محض أو مؤد إلى عدم فيقال شر لمثل الموت والجهل البسيط والفقر والضعف والتشويه في الخلقة ونقصان العضو والقحط وأمثالها من عدميات محضه ويقال شر لما هو مثل الألم والحزن والجهل المركب وغير ذلك من الأمور التي فيها ادراك لمبدء ما وسبب ما لا فقد لمبدء ما وسبب ما فقط فان السبب المضر المنافى للخير والكمال الموجب للفقد والزوال قسمان.
القسم الأول ما كان مواصلا للمضرور به المؤف من جهة وجوده فيدركه مدرك عدم الصحة والسلامة كمن يتأذى بفقدان اتصال عضو بوجود حرارته ممزقه له قطاعه لذاعه فإنه من حيث يدرك فقدان الاتصال وزوال الصحة بقوة شاعره في مادة ذلك العضو