يثبت عدمه له عند وجوده فإذا كان كذلك والنفس كما علمت لها ضرب من الاتحاد بالبدن فكلما يرد على البدن عند تعلق النفس به فكأنما ورد على ذات النفس ولهذا تتأذى وتتألم بالجراحات والأمراض وسوء المزاج البدني بقدر تعلقها به واتحادها لكن النفس لما كانت لها مقامات أخرى ونشأت غير هذه النشأة التي وقع لها الأذى بسببها لم يكن اذاها من جراحه عظيمه أو سوء مزاج شديد أو فساد أو موت مثل اذى الحي (1) الذي حياته بعينها حيوه البدن.
فتأمل يا حبيبي التدرك ان الشر غير لاحق الا لما في طباعه ما بالقوة وذلك لأجل المادة الجسمية بسبب ان وجودها وجود ناقص متهيئ لقبول الفساد والانقسام والتكثر وحصول الأضداد والاستحالة والتجدد في الأحوال والانقلاب في الصور فكلما هو أكثر براءة من المادة فهو أقل شرا ووبالا.
واعلم أن الشرور تلحق المواد على وجهين لأنها اما ان تلحقها لأول امر يعرضها في أول الكون واما لامر يطرء عليها بعد التكون فالقسم الأول كما تتمكن في أول وجودها هيئه من الهيئات تمنعها تلك الهيئة استعدادها الخاص للكمال الذي هنيت المادة بشر يقابله ويوازيه كالمادة التي تتكون منها صوره انسان أو فرس أو نبات إذا عرض لها من الهيئات ما جعلها أسوء مزاجا وأقل اعتدالا وأعصى جوهرا من قبول تلك الصورة على الوجه الأكمل فلم يقبل التقويم الأحسن والتشكيل الأتم والتخطيط الأليق فتشوهت الخلقة بسببها ولم يوجد المحتاج اليه من كمال الاعتدال في المزاج وتمام الشكل في البينة لا لان الفاعل المعطى قد قصر وما أجاد فيما أفاد بل لان المنفعل لم يقبل.
واما القسم الاخر فهو أحد أمرين اما مانع وحاجب يحول بين الشئ ومكمله