فان نقصان الجسم عن درجه الواجب أكثر من نقصان النفس ونقصان الحس عن درجه العقل الأول أكثر من نقصان الخيال فلو كان النقصان في جميع الممكنات متشابها كانت الأنواع كلها نوعا واحدا ومهياتها مهيه واحده وكما أن مهيات الأنواع بحقائقها متفاوتة فكذلك هويات الاشخاص التي تحت نوع واحد متفاوتة.
وبالجملة الابداع يوجب نقصان المبدع عن المبدع والا لم يكن أحدهما بكونه مبدعا والاخر مبدعا أولى من العكس فاذن من الضرورة ان لا يكون ممكن ما خاليا عن نقص وقصور ومن الضرورة ان يكون النقص في عالم النفوس أكثر منه في عالم العقول وفي عالم الطبايع أكثر وأوفر مما في عالم النفوس وفي عالم العناصر أكثر وأشد مما في عالم الأفلاك وهكذا إلى أن ينتهى إلى مادة مشتركه لا خيرية فيها الا القوة والاستعداد لقبول الأشياء وستعلم انها وان بلغت إلى نهاية الخسة والشرية في ذاتها لكنها وسيله لحدوث الخيرات كلها وان الوجود بسببها يعود ويرجع إلى الكمال بعد النقص والى الشرف من الخسة والى الصعود من الهبوط وهذه المادة كما انها قابله للصورة قابله للعدم ولا يمكن لها ان يقبل الصور كلها ولا يقبل اعدامها ومقابلاتها.
فاذن نقول إن الشرور التي هي من باب الاعدام والنقصانات والقصورات في الجبلة فليس ثبوتها لان فاعلا يفعلها بل لان الفاعل لم يفعلها وهي التي ليست خيرا بالقياس إلى شئ آخر واما الشرور التي تلحق بأشياء هي في نفسها خيرات وبالقياس إلى بعض الأشياء شرور كوجود النار والماء والسيف والسنان والسبع والحية وغيرها من الذوات وكوجود الغضب والشهوة والجربزة والشيطنة وغيرها من الصفات وكوجود الضرب والطعن والقتل وغير ذلك من الافعال فإنما هي من سببين سبب من جهة المادة لأنها قابله للصورة والعدم وكان ممتنعا ان لا تكون قابله للمتقابلات وسبب من جهة الفاعل لأنه وجب ان يفعل فعله الخاص إذا لاقى في مادة لفعله.
واستحالة ان يكون للقوى الفعالة لذواتها افعال متضادة أو يكون قد حصل وجودها وهي لا تفعل فعلها فمن المحال ان تفعل النار الاغراض المقصودة منها ولا تحرق بدن انسان لاقته أو ان يفعل السيف الاغراض التي لأجلها ولا يقطع عضو انسان إذا ضرب