واحد محض مبسوط ليس فيه شئ من الأشياء فلما كان واحدا محضا انبجست منه الأشياء كلها وذلك أنه لما لم يكن هويه انبجست منه الهوية.
أقول واختصر القول انه لما لم يكن شيئا من الأشياء رأيت الأشياء كلها منه غير أنه وان كانت الأشياء انبجست منه فان الهوية الأولى أعني به هويه العقل هي التي انبجست منه بغير وسط ثم انبجست منه جميع هويات الأشياء التي في العالم الاعلى والعالم الأسفل بتوسط هويه العقل والعالم العقلي وأقول ان الواحد المحض (1) هو فوق التمام والكمال واما العالم الحسى فناقص لأنه مبتدع من الشئ التام وهو العقل وانما صار العقل تاما كاملا لأنه مبتدع من الواحد المحض الحق الذي هو فوق التمام ولم يكن بممكن ان يبدع الشئ الذي فوق التمام الشئ الناقص بلا توسط ولا يمكن للشئ التام ان يبدع تاما مثله لان الابداع نقصان أعني به ان المبدع لا يكون في درجه المبدع بل يكون دونه انتهى كلام الفيلسوف المقدم بعبارته.
وكأنك قد تهيات بما قدمناه إليك من بيان كون البسيط الحق كل الأشياء لفهم كلام هذا المعلم وتحقيق مرامه ولعله أراد بالهوية (2) هيهنا الوجود لا الماهية المرسلة كما ظن لأنها غير مجعوله بل أراد به التشخص المتميز عن سائر التشخصات المبائن لها وهذا انما يتحقق عند هذا الفيلسوف فيما سوى الأول حيث إن لكل منها وجودا محدودا بحد من الكمال فيكون مبائنا لموجود آخر مغايرا له واما الوجود الواجبي فهو لكونه غير متناهي القوة والشدة ولا محدود بحد وغاية فلا هويه له بهذا المعنى لأنه جامع كل حد وجودي وما فوقه وراء ه فلا مبائن له في الوجود ولا غير ليكون متميزا عنه