والذي يضفي على الدراسة أهمية أكثر، هو أن التوحيد في العبادة أحد مراتب التوحيد التي لا محيص للمسلم من تعلمه، ثم عقد القلب عليه، والتحرر عن أي لون من ألوان الشرك. فلا تنال تلك الأمنية في مجالي العقيدة والعمل إلا بمعرفة الموضوع معرفة صحيحة، مدعمة بالدليل حتى لا يقع في مغبة الشرك، وعبادة غيره سبحانه.
ورغم المكانة الرفيعة للموضوع لم نعثر على بحث جامع حول مفهوم العبادة يتكفل بيان مفهومها، وحدها الذي يفصله عن التكريم والتعظيم أو الخضوع والتذلل، وكأن السلف (رضوان الله عليهم) تلقوها مفهوما واضحا، واكتفوا فيها بما توحي إليهم فطرتهم.
ولو صح ذلك فإنما يصح في الأزمنة السالفة، دون اليوم الذي استفحل عند بعض الناس أمر ادعاء الشرك في العبادة، فيما درج عليه المسلمون منذ قرون إلى أن ينتهي إلى عصر التابعين والصحابة فأصبح - بادعائهم - كل تعظيم وتكريم للنبي، عبادة له، وكل خضوع أمام الرسول شركا، فلا يلتفت الزائر يمينا وشمالا في المسجد الحرام والمسجد النبوي إلا وتوقر سمعه كلمة " هذا شرك يا حاج " وكأنه ليس لديهم إلا تلك اللفظة، أو لا يستطيعون تكريم ضيوف الرحمن إلا بذلك.
فاللازم على هؤلاء - الذين يعدون مظاهر الحب والود، والتكريم والتعظيم شركا وعبادة - وضع حد منطقي للعبادة، يميز بها، مصاديقها عن غيرها حتى يتخذه الوافدون من أقاصي العالم وأدانيه، ضابطة كلية في المشاهد والمواقف، ولكن - وللأسف - لا تجد بحثا حول مفهوم العبادة وتبيينها في كتبهم ونشرياتهم ودورياتهم.
فلأجل ذلك قمنا في هذا الفصل، بمعالجة هذا الموضوع، بشرح مفهومها لغة وقرآنا، حيث بينا أن حقيقة الشرك في تعاليم الأنبياء أخص مما ورد في المعاجم وكتب اللغة.