5 - أن يعهد الله سبحانه له بالشفاعة كما يشير إليه قوله: {إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا}.
ثم إن هناك سؤالا يطرح في هذا المقام، وهو كيف يصح الجمع بين هذا الصنف من الآيات التي تثبت الشفاعة لغيره سبحانه، والصنف الخامس الذي يخصها بالله سبحانه؟
والجواب: أن مقتضى التوحيد في الأفعال، وأنه لا مؤثر في عالم الكون إلا الله سبحانه، ولا يوجد في الكون مؤثر مستقل سواه، وأن تأثير سائر العلل إنما هو على وجه التبعية لإرادته سبحانه ومشيئته، والاعتراف بمثل العلل التابعة لا ينافي انحصار التأثير الاستقلالي في الله سبحانه، ومن ليس له إلمام بالمعارف القرآنية يواجه حيرة كبيرة تجاه طائفتين من الآيات، إذ كيف يمكن أن تنحصر شؤون وأفعال، كالشفاعة، والمالكية، والرازقية، وتوفي الأرواح، والعلم بالغيب، والإشفاء بالله سبحانه، كما عليه أكثر الآيات القرآنية، بينما تنسب هذه الأفعال في آيات أخرى إلى غير الله من عباده. فكيف ينسجم هذا الانحصار مع هذه النسبة؟
غير أن الملمين بمعارف الكتاب العزيز يدركون أن هذه الأمور على وجه الاستقلال والأصالة قائمة بالله سبحانه، مختصة به، في حين أن هذه الأمور تصدر من الغير على وجه التبعية وفي ظل القدرة الإلهية.
وقد اجتمعت النسبتان في قوله تعالى: {وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى} (1). فهذه الآية عندما تنسب الرمي بصراحة إلى النبي الأعظم، تسلبه عنه وتنسبه إلى الله سبحانه، ذلك لأن انتساب الفعل إلى الله (الذي منه وجود العبد وقوته وقدرته) أقوى بكثير من انتسابه إلى العبد، بحيث ينبغي أن يعتبر الفعل فعلا