وبالنتيجة التشكيك في أصل وجودهم وبعثهم، وبالتالي تصبح تلك الشخصيات بعد قرون أساطير تاريخية للخلق، فيتلقون النبي والإمام بل الأنبياء كلهم قصصا تاريخية نسجتها يد الخيال، كما هو الحال في كثير من القصص التاريخية التي أصبحت تروى على ألسن الأطفال وفي المنتديات.
إن الإنسان الغربي يتمتع في حياته بكل ما هو غربي إلا الدين والمذهب، فإن مذهبه شرقي، لأن المسيح وليد الشرق ومبعوثه سبحانه إلى أرض فلسطين وغيرها، وبما أن الغربي لا يجد أثرا ملموسا للمسيح في حياته فمثلا ليس له قبر حتى يزار ولا لأمه قبر حتى ينسب إليها، ولا لكتابه صورة صحيحة يؤمن به، ولا لتلاميذه وحوارييه آثار ملموسة، فلذلك صارت الديانة المسيحية أسطورة تاريخية في نظر الغرب وشبابه المثقفين بعد ألفي عام، وإن كان الشيوخ والعجائز يؤمنون به إيمانا تقليديا لا علميا، فالجدد منهم مسيحيون في هوياتهم الشخصية لا في هوياتهم العقلية والفكرية، ومما أثر في ذلك هو فقدان كل أثر ملموس عن سيدنا المسيح في حياتنا البشرية، ولولا أن القرآن الكريم جاء بذكره ورسالته ومواقفه لكان الشك متسربا إلى أذهاننا وأفكارنا.
وهذا بخلاف ما لو كان له أثر ملموس يزار بين آن وآخر، وتشد الرحال إليه عندئذ لكانت الديانة المسيحية حية نابضة بلا شك وريب.
ومن الأسباب والوسائل التي أضفت على الإسلام حيوية، وعلى نبيه بقاء في القلوب، وعلى مواقفه وبطولاته خلودا في الأذهان والضمائر، هو وفود المسلمين في كل شهر وسنة إلى موطنه (مكة) ومهجره (المدينة) وزيارة قبره وآثاره وقبور أولاده وأصحابه، ومشاهدة مولده ومبعثه وما يمت إليه بصلة طوال حياته، حيث أضفت هذه الوفادة المستمرة على وجوده ورسالته نورا وضياء، وواقعية تذهب كل ريب وشك وتقر في النفوس عظمته وبطولاته.