فهذا الاعتقاد كان يدفعهم إلى العبادة، ولأجل ذلك كانوا يقدمون لمعبوداتهم النذور والقرابين وغيرهما من التقاليد والسنن. ولما كانت كلمة التوحيد تهدم عقيدتهم بإلوهية غيره سبحانه لذلك كانوا يستكبرون عند سماعها، كما قال سبحانه: {إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون} (1).
ثم إن الاعتقاد بألوهية الأصنام لا يلازم الاعتقاد بكون المعبود خالقا للعالم حتى يقال بأن المشركين في الجاهلية كانوا موحدين في الخالقية، كما يدل على ذلك أكثر من آية. قال سبحانه:
{ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن خلقهن العزيز العليم} (2).
إذ للألوهية شؤون عندهم يقوم ببعضها الإله الأعلى كخلق السماوات والأرض، وبعضها الآخر الآلهة المزعومة المتخيلة عندهم، كغفران الذنوب والشفاعة المطلقة المقبولة بلا قيد وشرط، وبما أن هذين الأمرين الأخيرين من شؤون الإله الأعلى أيضا وليس للآلهة المزعومة فيها حظ ولا نصيب، يركز القرآن على إثباتهما لله سبحانه فقط ويقول: {ومن يغفر الذنوب إلا الله} (3). ويقول: {قل لله الشفاعة جميعا} (4).
وفي ضوء ذلك فالمشركون كانوا معتقدين بالإله الأعلى الأكبر، وفي الوقت نفسه يعتقدون بآلهة شتى ليس لهم من الشؤون ما للإله الأعلى منها، وفي الوقت نفسه كانت الآلهة عندهم مخلوقة لله سبحانه، مفوضة إليهم بعض الشؤون كما عرفت.