فهل ترى أن الطواف حول التراب والجبال والحجر عبادة لهذه الأشياء بحجة أنه خضوع لها؟!
إن شعار المسلم الواقعي هو التذلل للمؤمن والتعزز على الكافر، قال سبحانه:
{فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين} (1).
فمجموع هذه الآيات وجميع مناسك الحج يدلان بوضوح على أن مطلق الخضوع والتذلل ليس عبادة. ولو فسرها أئمة اللغة بالخضوع والتذلل، فقد فسروها بالمعنى الأوسع، فلا محيص حينئذ عن القول بأن العبادة ليست إلا نوعا خاصا من الخضوع. ولو سمي في بعض الموارد مطلق الخضوع عبادة، فإنما سمي من باب المبالغة والمجاز، يقول سبحانه: {أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا} (2) فكما أن إطلاق اسم الإله على الهوى مجاز فكذا تسمية متابعة الهوى عبادة له، ضرب من المجاز.
ومن ذلك يعلم مفاد قوله سبحانه: {ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين * وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم} (3).
فإن من يتبع قول الشيطان فيتساهل في الصلاة والصيام، ويترك الفرائض أو يشرب الخمر ويرتكب الزنا، فإنه بعمله هذا يقترف المعاصي، لا أنه يعبده كعبادة الله، أو كعبادة المشركين للأصنام، ولأجل ذلك لا يكون مشركا محكوما عليه بأحكام الشرك، وخارجا عن عداد المسلمين، مع أنه من عبدة الشيطان لكن بالمعنى الوسيع الأعم من الحقيقي والمجازي.