البالغ بذلك يعود إلى سأمهم وتذمرهم من الأنظمة الوضعية التي يعيشونها فقد جرت عليهم المآسي والويلات، وأغرقت العالم بالفتن والخطوب، فهم يتشوقون إلى حكم الله الذي يحقق لهم العدل السياسي، والعدل الاجتماعي وينقذهم من جور الظالمين، وبطش المستبدين.
لقد ألقت الأخبار التي أثرت عن النبي صلى الله عليه وآله، وعن أئمة الهدى عليهم السلام، الأضواء على كثير من علامات ظهوره عليه السلام، والتي منها: انهيار الأخلاق، وانعدام الروابط الاجتماعية، وفقدان التماسك بين أفراد الأسرة الواحدة، وتخلى الناس عن تعاليم أديانهم، بحيث يصير المجتمع في سلوكه قريبا من المجتمع الجاهلي، فلا أمر بمعروف، ولا نهى عن منكر، ولا تواصل ولا توادد، ويصير المسلمون بأقصى مكان من الذل والهوان، تتكالب عليهم الأمم تغصب ثرواتهم، وتتحكم في قضاياهم ومصيرهم، ويكونون كأعصاب خالية من الروح والإحساس، ويعرض هذا الكتاب إلى إعطاء صورة متميزة عن علامات ظهوره عليه السلام حسب ما نطقت به الأخبار.
(10) ومن بحوث هذا الكتاب إعطاء لمحة من صفات الإمام المهدي عليه السلام، وبعض عناصره النفسية، التي هي - من دون شك - امتداد لذاتيات آبائه وأجداده العظام الذين هم مصدر خير ورحمة وفيض على الناس على اختلاف قومياتهم وأجناسهم، ومن أبرز صفاتهم أنهم كانوا قوة ضاربة وقاهرة للطغاة والظالمين، يقول سيد العترة الطاهرة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: " القوي عندي ضعيف، حتى آخذ منه الحق، والضعيف عندي قوى حتى آخذ له الحق... " وهذه النزعة الكريمة ماثلة بأسمى صورها عند حفيده الإمام المنتظر عليه السلام، فإنه - حسبما تواترت به الأخبار إذا أشرقت الدنيا بظهوره يقوم ببسط العدل، وتدمير الظلم، ويبنى مراكز للمساواة والإنصاف بين الناس، ويطيح بعروش الطغاة الذين أقاموا عروشهم على الظلم والطغيان.