جهدنا في حط منزلته، والوضع منها، ولكن الله عز وجل يأبى إلا أن يزيده كل يوم رفعة، لما كان فيه من الصيانة، وحسن السمت، والعلم والعبادة، فإن كنت عند شيعة أخيك بمنزلته فلا حاجة بك إلينا، وإن لم تكن بمنزلته، ولم يكن فيك ما كان في أخيك لم نغن عنك شيئا " (1).
وحفل كلام الخليفة العباسي بالحق والصدق فإن مكانة الإمام ومنزلته - كما يقول - ليست خاضعة للسلطة ولا بيدها لتهبها لمن تشاء، وإنما أمرها بيد الخالق العظيم، فهو الذي يختار للإمامة خيار عباده، من الذين لا يسبقونه بالقول، وهم بأمره يعملون، وقد جهدت السلطة العباسية في الحد من شأن الإمام الحسن العسكري وغيره من أئمة الهدى، وقابلتهم بمنتهى الشدة والقسوة، وأنزلت العقاب الأليم باتباعهم وشيعتهم لتصرفهم عنهم، فما زادهم ذلك إلا وثوقا وإيمانا بهم، وقد خسر جعفر بادعائه الإمامة، واستعانته بالسلطة لتضفي عليه هذا المركز العظيم.
الغيبة الصغرى:
وكان من عظيم لطف الله تعالى وعنايته بالإمام المنتظر عليه السلام أن حجبه عن عيون الظالمين من بني العباس الذين جهدوا على تصفيته جسديا، فقد غيبه تعالى عن أبصارهم كما غيب جده رسول الله صلى الله عليه وآله عن أبصار قريش حينما اجتمعوا على قتله، فقد خرج من بينهم وهم لا يشعرون، وكذلك الإمام المهدي عليه السلام فقد كان في وسطهم وهم لا يرونه.
ونتحدث في البحوث الآتية عن شؤون الغيبة الصغرى للإمام المنتظر عليه السلام، وما يرتبط بها من بحوث.
الزمان:
وكانت الغيبة الصغرى للإمام عليه السلام عند وفاة أبيه الحسن العسكري