ولكن المبتدع يستهدف حبل الله المتين ليوهنه ويخرجه من متانته بما يزيد عليه أو ينقص منه، وبالتالي يجعل من الأمة الواحدة أمما شتى، يبغض بعضهم بعضا ويلعن بعضهم بعضا، فيحولون إلى شيع وطوائف متفرقين، فرائس للشيطان وأذنابه، وعلى شفا حفرة من النار، على خلاف ما كانوا عليه في عصر الرسالة.
إن المسلمين بعد رحيل الرسول تفرقوا إلى أمم ومذاهب مختلفة ولم يكن ذلك إلا إثر تلاعب المبتدعين في الدين والشريعة بإدخال ما ليس من الدين في الدين وكان عملهم تحويرا لصميم العقيدة الإسلامية وشريعتها. فلولا البدعة والمبتدعون وانتحال المبطلين، لكانت الأمة الإسلامية أمة واحدة، لها سيادتها على جميع الأمم والشعوب في المعمورة. وما أثنى ظهورهم إلا دبيب المبتدع بينهم، فشتتهم وفرقهم بعد ما كانوا صامدين كالجبل الأشم.
إن الحروب الدموية التي خاضها المسلمون في عصر الخلافة وبعدها وخضبت الأرض بالدماء الطاهرة وسل المسلمون سيوفهم في وجه بعضهم، مكان سلها في وجه الأعداء فسقط منهم آلاف القتلى والجرحى على الأرض كانت نتيجة البدع في الدين النابعة عن الأهواء والميول النفسانية فكانوا يحاربون باسم الدين. ولم يكن الدين إلا في جانب واحد، لا في جوانب متكثرة.
إن صراط النجاة في الإسلام هو صراط واحد مستقيم دعا إليه المؤمنين عامة وقال: * (وأن هذا صراطي مستقيا فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون) * (الأنعام - 153) ويأمر المسلمين أن يدعوا الله سبحانه، أن يديمهم على هذا الصراط كي لا ينحرفوا يمينا وشمالا كما يقول سبحانه تعليما لعباده: * (اهدنا الصراط المستقيم) * ولكن المبتدع يسوق بالناس إلى سبل منحرفة لا تنتهي إلى السعادة التي أراد الله سبحانه لعباده.