الكر ما لم يتغير، لأن الحكم في المنطوق لم يحمل على العموم حتى يكون سلبا كليا، فيكون مفهومه الإيجاب الجزئي، بل الحكم فيه محمول على خصوص النجاسات المعهودة، فكل واحدة واحدة منها بالخصوص نفي تأثيره في الكر لأجل كريته، فإذا كان الحكم في المنطوق على خصوص الآحاد من دون مدخلية للاجتماع فيها يكون مفهومه - لا محالة - رفع ذلك الحكم، فيفيد ثبوت تأثير كل فرد فرد منها في تنجيس الملاقي عند انتفاء الكرية منه، وهذا هو العموم من طرفي الملاقي والملاقى، وعموم الكيفية يأتي من عدم التعرض لكيفية مخصوصة في القضية منطوقا ومفهوما، فيكون محمولا على المتعارف في صدق الملاقاة.
فتلخص أن القضية الكلية إذا كان الحكم فيها محمولا على الأفراد يكون كلية المفهوم فيها على القاعدة، وما نفيناه من عدم ظهورها في ذلك إنما هو بالنظر إلى عدم ظهورها في حمل الحكم فيها على الأفراد، لا مطلقا. هذا كله مضافا إلى أن ما تخيلوه من عدم العموم في المفهوم إنما هو لأجل نكارة لفظة " شيء " الواقعة في المفهوم في حيز الإثبات، فيكون مفادها الجزئية فلا يعم، وهو غفلة عن أن تلك اللفظة كناية عن النجاسات العشر المعهودة، فتفيد بالعموم البدلي الآتي من قبل النكرة الغير المعهودة في فرد خاص أن ملاقاة كل واحدة منها مؤثرة في الانفعال، كما هو قضية إلقاء الخصوصية في المقام، فتدبر.
ومما يشهد على صحة ما ادعيناه قوله (عليه السلام) في خبر معاوية بن شريح حين سأله أبو عذافر عن سؤر السنور والشاة - وأمثالهما مما عده فيه - والسباع، يتوضأ منه؟ فأجابه بنعم، ثم سأله عن الكلب، فقال: لا، فاعترض عليه أبو عذافر، أليس هو سبع؟ قال (عليه السلام): " لا والله، إنه نجس " (1)، فعلم منه أن مناط نجاسة الماء ملاقاته لما هو نجس في الشريعة لا النجاسة القائمة بالكلب.
كما يشهد له أيضا مركوزية انقسام الماء إلى ما ينفعل وما لا ينفعل في أذهان الرواة، من غير خصوصية بنجس خاص.